عناصر الخطبة
1/فضل بر الوالدين 2/كثرة العقوق والقطيعة 3/وجوب بر الوالدين 4/التحذير من قطع القريب وصلة البعيد 5/من ثمرات البر وعواقب العقوق 6/من علامة بر الوالدين 7/بر الوالدين بعد موتهما.

اقتباس

مِن الرجال مَن يسعى في خدمة زوجته وتحقيق مطالبها ورغباتها، وصلة صديقاتها وأقاربها، في مقابل عقوقه وسوء تصرُّفه مع أمه. تصرُّفه مع أمه التصرف العاق، وشأنه مع زوجته شأن العبد الذليل الذي يسعى في كل ما تأمره وتسعى به، وهذا علامة نقصٍ، وهؤلاء أشباه رجالٍ ليسوا برجال....

الخطبة الأولى:

 

الحَمْدُ للهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَسْتَهْدِيه، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ عبده المصطفى ونبيه المجتبى، اللهم صلِّ وسلِّم عليه، وعلى آله، وأصحابه، ومن سلف من إخوانه من المرسلين، وسار على نهجهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد: أيها الناس! فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.

 

أيها المؤمنون: ثبت في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه وعنْ أَبيه- قال: قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم-: "انطلق ثلاثةٌ ممن كان قبلكم في سفر، فآواهم المبيت إلى غار، فنزلت صخرةٌ على فم الغار فسدّته، فحاولوا الخروج فلم يستطيعوا، فقال بعضهم لبعض: إنه لن يُنجّيكم مما أنتم فيه إلا أعمالٌ صالحةٌ عملتموها لله -عَزَّ وَجَلَّ-، فقال أحدهم: اللهم إنه كان لي أبوان شيخان كبيران وكنت أرعى عليهما غَبُوقَهما، وإنه نأى بيَ السيرُ ذات يوم فلم آتي إلا وقد غربت الشمسُ، فحلبتُ لهما غَبُوقَهما، فجئت إليهما وقد ناما، والصبيةُ –يعني أبناءه- تحتي يتضاغون بكاءً من شدة الجوع، فلم أقدِّم على والدي أهلاً ولا نفسًا ولا ولدًا، حتى طلع الصبح ثم أسقيتهما فسقيا، اللهم إن كنت تعلم أني فعلتُ ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، قال صلَّى اللهُ عَليه وَسلَّمَ: فانفرجت الصخرة وإنهم لينظرون إلى السماء.

 

وقال الثاني: اللهم إنه كانت لي ابنة عم وكنت أحبها كأحب ما يحب الرجالُ النساء، وإني دعوتها إلى نفسها فأبت، وإنها احتاجت ذات يوم فجاءت إليّ فأعطيتها على أن تمكنني من نفسها فأبت، فذهبت، فلما اشتدت حاجتها جاءت إليّ فأعطيتها مائة دينارٍ على أن تمكنني من نفسها، حتى إذا صرتُ بين شعبها الأربع، بين يديها ورجليها قالت: يا عبد الله، اتق الله ولا تفضنَّ الخاتم إلا بحقه، قال: فقمتُ عنها وتركتها وما بيدها ثم قال: اللهم إن كنت تعلم أني فعلتُ ذلك ابتغاءً وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة ولكنهم لا يستطيعون الخروج.

 

قال الثالث: اللَّهُمَّ إنِّي كُنْتُ اسْتَأْجَرْتُ أجِيرًا بفَرَقِ أرُزٍّ، فَلَمّا قَضى عَمَلَهُ قالَ: أعْطِنِي حَقِّي، فَعَرَضْتُ عليه حَقَّهُ فَتَرَكَهُ ورَغِبَ عنْه، فَلَمْ أزَلْ أزْرَعُهُ حتّى جَمَعْتُ منه بَقَرًا وراعِيَها، فَجاءَنِي فقالَ: اتَّقِ اللَّهَ ولا تَظْلِمْنِي وأَعْطِنِي حَقِّي، فَقُلتُ: اذْهَبْ إلى ذلكَ البَقَرِ وراعِيها، فقالَ: اتَّقِ اللَّهَ ولا تَهْزَأْ بي، فَقُلتُ: إنِّي لا أهْزَأُ بكَ، فَخُذْ ذلكَ البَقَرَ وراعِيَها، فأخَذَهُ فانْطَلَقَ بها، فإنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنِّي فَعَلْتُ ذلكَ ابْتِغاءَ وجْهِكَ، فافْرُجْ ما بَقِيَ. فَفَرَجَ اللَّهُ عنْهمْ. قال النبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم-: فانفرجت الصخرة وخرجوا يمشون".

 

نعم يا عباد الله؛ توسل هؤلاء العباد، توسل هؤلاء الصالحون إلى الله -جل وعلا- بأعمالٍ صالحة عملوها ابتغاء وجه الله، وطلبًا لثوابه ومرضاته، عندئذٍ قبِل الله -جل وعلا- توسلهم، وأرضى وسيلتهم، فحقَّق لهم سؤلهم.

 

 وإنا نقف وإياكم مع ذلك الرجل الذي بَرّ والديه في حال الكبر؛ لأننا في زمانٍ فشا فيه بين الناس العقوق، عقوق الوالدين، وتقطيع الأرحام، حتى أصبحت المجالس والنوادي وأماكن الشرط والرعاية الاجتماعية تئن من هؤلاء الفجار أنًّا عظيمًا.

 

 قال ذلك الأول: "اللهم إنه كان لي أبوان شيخان كبيران"، والأبوان في حال شيبتهما وشيخوختهما يكونان أحوج ما يكونا إلى الرعاية والعناية والصيانة والخدمة، لا في حال شبابها ونشاطهما وقوتهما، "اللهم إنه كان لي أبوان شيخان كبيران وكنت أرعى عليهما غبوقهما"، فالإبل لهما، وليس لهما من العشاء إلا هذا الحليب الذي يطعمونه من الإبل، فجئت إليهما وقد ناما.

 

وإن الصبية أي أبناءه يتضاغون تحته بكاءً من شدة الجوع، ولم يقدم على والديه لا نفسه وقد تعب، ولا أولاده الصغار وهم يبكون من شدة الجوع، ولا أهله ولا أحدًا غيرهم، وذلك من كمال برّه وإحسانه لوالديه، ولو قدم أحدًا من نفسه أو أهله أو أولاده على والديه لما كان ملومًا عند عامة العقلاء، فتوسل إلى الله بهذا البر بقوله: "اللهم إن كنت تعلم أني فعلتُ ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه"، فقبِل الله -جل وعلا- وسيلته، وبرّه بوالديه الشيخين الكبيرين، وأجاب دعوته في الدنيا، وله عند الله -جل وعلا- عظيم الجزاء والثواب.

 

نفعني الله وَإِيَّاكُمْ بالقرآن العظيم، وما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله كما أمر، أحمده -سبحانه- وقد تأذن بالزيادة لمن شكر، وأشهد أن لا إله إلا الله إقرارًا بربوبيته وألوهيته وإيمانًا بأسمائه وصفاته، مراغمًا بذلك من عطلها أو عاند بها وألحد وكفر، وأصلي وأسلم على سيد البشر الشافع المشفع في المحشر صلى الله عليه، وعلى آله، وأصحابه السادة الغرر، خير آلٍ ومعشر، ما طلع الليل والنهار وأقبل أحدهما على الآخر وأدبر.

 

أما بعد: عباد الله: اتقوا الله -عَزَّ وَجَلَّ-، واعلموا أنكم ملاقوا ربكم؛ (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)[البقرة: 281]، اتقوا ربكم -جل وعلا- ولاحظوا أنفسكم هل بررتم بوالديكم، هل أحسنتم إلى أمهاتكم وإلى آبائكم؟

 

وقد رُوِيَ عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم- حديثٌ يهزّ قلوب أهل الإيمان هزًّا؛ حيث قال -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم-: "لا تقوم الساعة حتى يصل الرجل زوجته ويعق أمه، ولا تقوم الساعة حتى يصل الرجل صديقه وصاحبه ويعق أباه"، وما أُرى ذلك إلا كاد أن يقع، بل قد وقع في بعض الفئام الذين هم لئام، لا يستحقون شيئًا من معاني المروءة والشهامة.

 

 إن مِن الرجال مَن يسعى في خدمة زوجته وتحقيق مطالبها ورغباتها، وصلة صديقاتها وأقاربها، في مقابل عقوقه وسوء تصرُّفه مع أمه، تصرُّفه مع أمه التصرف العاق، وشأنه مع زوجته شأن العبد الذليل الذي يسعى في كل ما تأمره وتسعى به، وهذا -يا عباد الله- علامة نقصٍ، وهؤلاء أشباه رجالٍ ليسوا برجال.

 

أمك التي ولدتك وحملتك قبل الولادة تسعة أشهر، ولا قت أشد الملاقاة حتى وضعتك ابنًا لها، ومهما بلغتَ من السن كبرًا وعتيًا تبقى في عين أمك وأبيك ذلك الغلام الصغير.

 

 الأم ليس بدلها أم، وكذا الأب ليس بدله أب، أما الزوجة فبدلها مائة زوجة. إن من اللئام مَن قرَّب زوجته ووصلها، وأحسن إليها؛ في مقابل عقوقه وسوء تصرفه وتعامله مع أمه، والله -جل وعلا- يقول: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَينِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا)[الإسراء: 23- 24].

 

قال العلماء -رَحِمَهُم الله-: لو أن ثمة كلمة أقل من كلمة (أُفّ) لقالها -سبحانه وتعالى-. كيف وبعض اللئام السفهاء يرفع يده على أبيه وعلى أمه ضربًا؟ أو يسبهما؟ أو يتمعر وجهه في وجوههما؟ أما زوجته وصديقه فإنه العبد الذليل القائم على خدمتهما وعلى أوامرهما، فإذا طلب منه أبوه شيئًا قال: إليك عني، أنا مشغول، ألا ترى ما بي من العمل والشغل؟ فإذا اتصل به صديقه بادر إليه، وربما قضى الساعات الطوال مع صديقه أُنسًا به، فإذا أمره أبوه بأمرٍ كان أشد نفرةً من أمر أبيه.

 

ألا فليتقِ الله هؤلاء، وليعلموا أن جزاء العقوق مما يُقدَّم لصاحبه عقوبةً في الدنيا قبل الآخرة، قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم-: "برّوا آباءكم تبركم أبناؤكم"، فإذا بر الإنسان والديه وجد عاجل المثوبة، وعاجل الأجر من الله -جل وعلا- في بر أولاده له في الدنيا، أما إذا عقَّ والديه فإنه يجد عاجل العقوبة في نفسه وفي همه، بل وفي ولده وزوجه وصديقه في الدنيا.

 

فاتقوا الله عباد الله، وراقبوا ربكم -جل وعلا-، وأدوا الحقوق إلى أهلها، فإن أعظم الحقوق بعد حق الله وحق رسوله حق الوالدين؛ حيث قرنهما -سبحانه- بحقه؛ (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَينِ إِحْسَانًا)[الإسراء: 23]، وفي آية الحقوق العشرة في سورة النساء يقول -سبحانه- وتعالى-: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيئًا وَبِالْوَالِدَينِ إِحْسَانًا)[النساء: 36].

 

 ثبت في الصحيحين -يا عباد الله- "أن رجلاً جاء إلى النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم- فقال: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: "أمك"، قال: ثم من؟ قال: "أمك"، قال: ثم من؟ قال: "أمك"، وقال في الرابعة: "ثم أبوك".

 

وبعض الناس قدَّم الزوجة أو قدم القريبة على حق الأم، وقدَّم الصاحب والصديق أو القريب على حق الأب، وهؤلاء قد بلغوا من العقوق مبلغًا عظيمًا. نعم هؤلاء بلغوا من عقوق الوالدين مبلغًا عظيمًا سيجدون أثر هذه المعصية وشؤمها في رزقهم، وفي وظائفهم، وفي تجارتهم، بل وفي أنفسهم وخواطرهم وسوء راحة بالهم.

 

"جاء رجلٌ من اليمن حاملاً أمه على ظهره حاجًّا بها بيت الله الحرام، فطاف بها وهو حاملها على ظهره، فلقي بعد الطواف عبد الله بن عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنهما-، فقال: "يا صاحب رسول الله، هذه أمي أتيتُ بها من اليمن، حاملاً لها على ظهري، أُتراني أديت حقها؟ فقال ابن عمر -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما: لا، لا، ولا بطلقةٍ واحدةٍ من طلقاتها؛" أي: لما ولدتك ووجدت ألم ولادتك وإجهاض حملك بها فلم تؤدِ ولا طلقةً واحدةً من طلقاتها.

 

 إذا علمنا هذا -يا عباد الله- فبادروا إلى برٍ بأمهاتكم، وآبائكم، قبل أن يدهمكم أو يدهمهما الموت.

 

وقد يقول قائل: لقد ذهب أبي، أو ماتت أمي، أو ماتا جميعًا، فهل بقي عليّ من البر بهما بعد موتهما؟ فالجواب: نعم، أول ذلك بالدعاء لهما كلما دعوت لنفسك، (وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا)[الإسراء: 24]، ثبت في الصحيحين قوله -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم-: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث؛ من علمٍ يُنتفع به، أو صدقةٍ جارية، قال: أو ولدٌ صالحٌ يدعو له"، فادعُ لأبيك ولأمك في سرائك وفي ضرائك، كلما دعوت لنفسك تكون قد أديت بعض حقهما، وقمتَ ببعض البر بهما.

 

من علامة البر بالوالدين: الصدقة عنهما، وأعظم الصدقة إجراء الماء وسقيه، فقد ثبت في الصحيحين أن أم سعد بن أبي وقاص -رضي الله تعالى عنه- ماتت فقال: يا رسول الله، إن أمي افتلتت نفسها، وأظنها لو تكلمت تصدقت، أفأتصدق عن أمي؟ قال -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّم-: "نعم، تصدق عن أمك"؛ دل على أن هذا من العمل الصالح.

 

 ومن العمل الصالح والبر بالوالدين بعد موتهما: إكرام صديقهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، فتصل أقارب أمك وتصل أقارب أبيك، وتصل صويحبات أمك وأصحاب أبيك، بالسؤال والهدية، والصدقة إن كانوا من أهلها، والدعاء لهم، وقضاء حوائجهم، وسائر أعمال البر التي تُؤدى لأمثالهم؛ لأنك إذا وصلتَ أقارب أبيك وأمك تجدد الدعاء لوالديك بقولهم: جعل الله من أتى بك في الجنة، أو من أرثك في الجنة، أو الله يجعل والديك في الجنة، فيتجدد الدعاء عندئذٍ لأمك وأبيك.

 

خرج ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- إلى مكة قاصدًا العمرة، فبينما هو يمشي في الطريق ومعه أصحابه وطلابه إذ لقي شيخًا أعرابيًا كبيرًا في السن، فنزل من على دابته، ثم أركب هذا الشيخ الأعرابي البدوي على دابته، وأصبح يماشيه ويؤانسه بالكلام، وأصحابه يتعجبون من صنيعه، حتى نزل ذلك الأعرابي وأخذ بطريقٍ آخر، فقال له أصحابه: يا أبا عبد الرحمن، من هذا الرجل الذي فعلتَ به، وهششتَ في وجهه وبششتَ؟ قال: إن والد هذا -أي هذا الأعرابي- كان صديقًا لعمر؛ فابن عمر يصل أهل ود وصداقة أبيه، وهذا من البر بالوالدين يا عباد الله.

 

 فاتقوا الله -عَزَّ وَجَلَّ- وعظموا أمره، وبروا آباءكم وأمهاتكم، تبركم أبناؤكم في حياتكم وبعد مماتكم.

 

ثُمَّ اعلموا -عباد الله- أنَّ أصدق الحديث كلام الله، وَخِيرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثة بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وعليكم عباد الله بالجماعة؛ فإنَّ يد الله عَلَى الجماعة، ومن شذَّ؛ شذَّ في النَّار، ولا يأكل الذئب إِلَّا من الغنم القاصية.

 

 اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، فِي العَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَسَلَّمَ اللهمَّ تَسْلِيمًا.

 

اللهم عِزًّا تعزّ به الإسلام وَالسُّنَّة وأهلها، وذِلًّا تذل به الكفر والبدعة وَالشِّرْك والانحلال وأهله، يا ذا الجلال والإكرام. اللهم عزًّا تعزُّ به أولياءك، وذِلًّا تذل به أعداءك، يا ذا الجلال والإكرام.

 

 اللَّهُمَّ احفظ علينا ديننا الَّذِي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا الَّتِي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا الَّتِي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خير، والموت راحةً لنا من كل شر.

 

اللَّهُمَّ وفق ولي أمرنا بتوفيقك، اللهم اجعله عزًّا للإسلام، ونصرةً لعبادك وأوليائك المؤمنين، اللَّهُمَّ اجعله عزًّا لِلسُّنَّةِ، وكفًّا عَلَى عبادك المسلمين، يا ذا الجلال والإكرام.

 

 اللَّهُمَّ أنت الله لا إله إِلَّا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء إليك، أنزل علينا الغيث، ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا، اللَّهُمَّ غيثًا مغيثًا، هنيئًا مريئًا، سحًّا طبقًا مجللاً، اللَّهُمَّ سُقيا رحمة، اللَّهُمَّ سُقيا رحمة، لا سُقيا عذابٍ ولا هدمٍ ولا غرقٍ ولا نصب.

 

اللهم أغث بلادنا بالأمن والأمطار والخيرات، وأغث قلوبنا بمخافتك وتعظيمك، وتوحيدك يا رب العالمين، اللهمَّ إنك ترى ما بنا من الحاجة واللأواء، ولا غنى لنا عن فضلك، اللَّهُمَّ فأنزل علينا من بركات السماء.

 

 اللَّهُمَّ ارحمنا برحمتك الَّتِي وسعت كل شيء، نستغفرك اللَّهُمَّ إنك كنت غفَّارًا، فأرسل السماء علينا مدرارًا، نستغفر الله العظيم، نستغفر الله العظيم من ذنوبنا، ونستغر الله العظيم من شر سفهائنا، ونستغفر الله العظيم الَّذِي لا إله هو الحي القيوم ونتوب إليه.

 

اللهم أغثنا، اللهم ارحم هؤلاء الشيوخ الرُّكَّع، وهؤلاء البهائم الرُّتَّع، وهؤلاء الأطفال الرُّضَّع، ولا غنى لنا عن فضلك يا رب العالمين.

 

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، اللَّهُمَّ اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، أحيائهم وأمواتهم يا رب العالمين.

 

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

    

 

المرفقات
storage
storage
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life