التربية الإسلامية للأولاد: أمانة ومسؤولية شرعية

فريق النشر - ملتقى الخطباء

2025-12-01 - 1447/06/10
التصنيفات:

 

 

محمد إقبال النائطي الندوي

 

قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6].

 

الأولاد نعمة من أعظم نِعم الله على الإنسان، وهم في الوقت نفسه أمانة ومسؤولية عظيمة في أعناق الوالدين؛ فكما أن الأولاد زينة الحياة الدنيا، فإن تقويمهم ورعايتهم وتربيتهم على الإيمان والخُلق الحسن من أعظم الواجبات الشرعية.

 

مسؤولية التربية في الإسلام:

جعل الإسلام كلَّ فرد مسؤولًا في دائرة تأثيره، لا سيما في نطاق الأسرة؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته...))؛ [رواه البخاري، حديث رقم 893، ومسلم، حديث رقم 1829].

 

بل قرر صلى الله عليه وسلم أن هذه المسؤولية تشمل كل من وليَ أمرًا؛ فقال: ((إن الله سائلٌ كل راعٍ عما استرعاه، حفِظ أم ضيع، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته))؛ [رواه أحمد، حديث رقم 23408].

 

وفي تفسير الآية السابقة، نقل ابن جرير عن بعض السلف قوله: "اعملوا بطاعة الله، واتقوا معاصي الله، ومُروا أولادكم بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه؛ فذلك وقاية لهم ولكم من النار".

 

الهَديُ النبوي في تربية الأبناء:

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حريصًا على تعليم الصغار وتوجيههم منذ نعومة أظفارهم، وتوجيه الوالدين إلى الاعتناء ببداية النشأة؛ فقال: ((افتحوا على صبيانكم أول كلمة بلا إله إلا الله))؛ [رواه الحاكم في المستدرك]، بل حض النبي صلى الله عليه وسلم على إكرام البنات والاعتناء بهن؛ فقال: ((زوِّجوا أبناءكم وبناتكم، وحلوهن الذهب والفضة، وأجيدوا لهن الكسوة، وأحسنوا إليهن بالحلة ليُرغَب فيهن))؛ [رواه الحاكم، حديث رقم 2806].

 

كما وجه إلى الأدب السلوكي؛ فقال صلى الله عليه وسلم: ((أدِّبوا أولادكم وأحسنوا أدبهم))؛ [رواه ابن ماجه، حديث رقم 3671]، وفي رواية أخرى حثَّ على تربية الأبناء على ثلاث خِصال؛ فقال صلى الله عليه وسلم: ((أدبوا أولادكم على ثلاث خصال: حب نبيكم، وحب آل بيته، وتلاوة القرآن، فإن حمَلة القرآن في ظل عرش الله يوم لا ظل إلا ظله))؛ [رواه الطبراني في "المعجم الأوسط"، حديث رقم 8250].

 

منهج لقمان في التربية:

من أروع النماذج التربوية التي ساقها القرآن الكريم، وصايا لقمان الحكيم لابنه، التي جمعت بين العقيدة والعبادة والسلوك:

﴿ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ... أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ... وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا... وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ ﴾ [لقمان: 13 - 19].

 

إنها تربية متكاملة تجمع بين تهذيب العقيدة، وتقويم الأخلاق، وضبط الانفعالات، وبيان آداب التعامل مع الناس.

 

أقوال العلماء في أهمية التربية:

يقول الإمام الماوردي رحمه الله: "النفس مجبولة على شيم مهملة، وأخلاق مرسلة، لا يستغني محمودها عن التأديب، ولا يُكتفى بالمرضي منها عن التهذيب".

 

ويقول الإمام الغزالي رحمه الله: "ينبغي للوالد أن يعين ولده على بره، ولا يحمله ما لا يطيق، ولا يمنعه من طاعة ربه، ولا يمنن عليه بتربيته".

 

مواقف نبوية تربوية:

روى عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه، قال: ((كنت غلامًا في حِجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت يدي تطيش في الصَّحْفة، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا غلامُ، سمِّ الله، وكُل بيمينك، وكُل مما يليك))؛ [متفق عليه: البخاري 5376، مسلم 2022].

 

وروى أبو هريرة رضي الله عنه: ((أن الحسن بن عليٍّ أخذ تمرة من تمر الصدقة، فجعلها في فيه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: كخ كخ، أمَا علمت أنا لا نأكل الصدقة؟))؛ [متفق عليه: البخاري 1491، مسلم 1069].

 

ختامًا: التربية أمانة ومسؤولية وأثر:

لقد نبَّه الصالحون منذ القدم على أن التربية لا تكون بالقسوة، بل بالرفق واللين؛ كما قال خارجة بن مصعب: "يسوق ولده إلى البر سوقًا رفيقًا، يعطيه ويحسن إليه حتى يبره".

 

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما نحل والدٌ ولده من نحل أفضلَ من أدب حسن))؛ [رواه الترمذي، حديث رقم 1952]، ويقول صلى الله عليه وسلم أيضًا: ((علموا أولادكم وأهليكم الخير، وأدبوهم))؛ [رواه عبدالرزاق في مصنفه، حديث رقم 20742].

 

وختامًا: فإن التربية مسؤولية عظيمة لا تنتهي عند حدود البيت، بل تبني أمة، وتصنع مستقبلًا، فكل أب وأم مطالبان بأن يكونا قدوة في السلوك، ومرشدَين في العقيدة، ومربيَين على الفضائل، فلنسأل الله أن يصلح لنا ذريتنا، ويجعلهم قرة أعين لنا؛ كما قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴾ [الفرقان: 74].

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات