المسارعة إلى الخيرات سبيل النجاة

عبدالمحسن بن محمد القاسم

2025-12-26 - 1447/07/06 2025-12-27 - 1447/07/07
التصنيفات: التربية
عناصر الخطبة
1/الفضيلة الأسمى للمسارعة في الخيرات 2/أمثلة من حياة النبي والصالحين في المسارعة في الخيرات 3/أعمال ينبغي المسابقة لها لعظم ثوابها 4/أعمال تحرم من التوفيق للمسارعة للخيرات

اقتباس

نافِسوا في المُبادَرةِ إلى الكمالِ مِنَ الأعمالِ، وإِنِ استطعتَ ألَّا يسبِقَكَ إلى اللهِ أحدٌ فافعل، وأعمالُ البرِّ والطاعاتِ كثيرةٌ؛ فَمَنْ سبقَكَ في عملٍ منها فلا يسبِقْكَ إلى غيره؛ ومَنْ حبسَه عذرٌ عن المسابَقة فالنيةُ الصادقةُ تقومُ مقامَ العمل...

الخطبة الأولى:

 

إنَّ الحمدَ لله؛ نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَنْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومَنْ يُضلِلْ فلا هاديَ له، وأشهد أَنْ لَا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه؛ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وأصحابِه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعدُ: فاتقوا اللهَ -عبادَ اللهِ- حقَّ التقوى، وراقِبوه في السرِّ والنجوى.

 

أيُّها المسلمون: خلَق اللهُ الخلقَ لعبادته وحدَه، وجعَل هذه الدارَ حَرْثًا للآخرة، ومَيدانًا للتنافس في طاعته؛ ونَدَبَ إلى المبادَرة لفعل الخيرات، والمسارَعة إلى نيل القُرُبات.

 

واستِباقُ الخيرات قَدْرٌ زائدٌ على الأمر بفعل الخيرات؛ فالاستِباقُ إليها يتضمَّن فعلَها وتكميلَها وإيقاعَها على أكمل الأحوال؛ وهذا أبلغُ في العبوديَّة. والنفوسُ الفاضلةُ تنتفعُ بالمنافَسة طلبًا للَّحاق والتقدُّم؛ وهو أمارةٌ على علو الهمَّة وسمو النفس والتشبُّه بأهل الفضل.

 

والمسارَعةُ في الخيرات من أكبر ما يُمدحُ به المرء؛ لدلالتها على الحرص على طاعة الله ومحبَّته، وقد سارعَ الأنبياءُ -عليهم السلام- إلى مرضات الله؛ قال موسى -عليه السلام-: (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى)[طه: 84].

 

ونبيُّنا محمدٌ -صلى الله عليه وسلم- صلَّى ذاتَ يومٍ بأصحابِه ثم قامَ مُسرِعًا وتخطَّى رِقابَ الناس إلى بعضِ حُجَرِ نسائِه، ففزِعَ الناسُ من سُرعَتِه؛ فقالَ: "ذكرتُ شيئًا مِنْ تِبرٍ عندنا -أَيْ من ذَهَبِ الصدقَةِ- فكرِهتُ أن يحبِسَني، فأمرتُ بقسمتِه"(رواه البخاري).

 

وأخبرَ -تعالى- أن من صفات مؤمني الأمم السالفة: (وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ في الْخَيْرَاتِ)[آلِ عِمْرَانَ: 114]. وأَمَرَ اللهُ هذه الأمةَ بالمسارَعةِ إلى مغفرتِه وجنَّته فقال: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ)[آلِ عِمْرَانَ: 133]، وحثَّهم على المُسابَقة إليها فقال: (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ)[الْحَدِيدِ: 21].

 

وكان أصحابُ رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يُسارِعون إلى محبة الله ورسوله، لَمَّا قال -عليه الصلاة والسلام-: "لَأُعْطِيَنَّ هَذِهِ الرَّايَةَ رَجُلًا يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ"؛ قال سهلٌ -رضي الله عنه-: فباتَ الناسُ ليلتَهم أيُّهم يُعطَى، فغَدَوْا كُلُّهُمْ يَرْجُوه"(مُتفَق عليه).

 

ويتنازَعون -رضي الله عنهم- في ضيافة النبي -صلى الله عليه وسلم- أيُّهم ينالُها. قال البراء -رضي الله عنه-: "قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ -أَيْ في الْهِجْرَةِ-، فتنازَعُوا أيُّهم ينزِلُ عليه رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-. فقال: "أَنْزِلُ عَلَى بَنِي النَّجَّارِ، أَخْوَالِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؛ أُكْرِمُهُمْ بِذَلِكَ"(رواه مسلم).

 

ويتسابقون في بناء مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فكانوا ينقلون لَبِنَات المسجد لَبِنَةً لَبِنَةً، وعَمَّارُ بنُ ياسرٍ ينقل لَبِنَتَيْنِ لَبِنَتَيْنِ. (رواه البخاري). زاد أحمد: فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا عمارُ، ألَا تحملُ لَبِنَةً كما يحملُ أصحابُكَ؟". قال: "إني أريدُ الأجرَ مِنَ اللهِ".

 

ويسعَونَ -رضي الله عنهم- ألَّا يزيدَ عليهم أحدٌ في العبادة؛ أتى فقراءُ المُهاجرينَ إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: "ذهبَ أهلُ الدُّثور -أي الأغنياءُ- بالدرجات العُلى والنعيم المُقيم". فقال: "وما ذاك؟". قالوا: "يُصلُّون كما نُصلِّي، ويصومون كما نصوم؛ ويتصدَّقون ولا نتصدَّق، ويُعتِقون ولا نُعتِق"(مُتفَق عليه).

 

ويتسابَقون إلى معرفة هَدْيِ النبي -صلى الله عليه وسلم- للاقتِداء به؛ دَخَلَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- وأُسامةُ وبلالٌ وعُثمانُ بنُ طلحةَ الكعبةَ عامَ الفتحِ، وأغلَقوا عليهم البابَ ومكَثَ نهارًا طويلًا، ثم خرجَ وابتدَر الناسُ الدخولَ. قال ابن عمر -رضي الله عنهما-: فسبقتُهم فوجَدتُ بلالًا قائمًا مِنْ وراءِ البابِ، فقلتُ له: أين صلَّى النبي -صلى الله عليه وسلم-؟(مُتفَق عليه).

 

ويبتدِرون إلى ما يندُبُهم إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- ويؤثِرونه على أنفسهم ولو كان بهم حاجة؛ جاءَ رجلٌ إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: إني مجهودٌ -أَيْ من الجوع-. فقال: "مَنْ يُضيفُ هذا الليلةَ -رحمه الله-؟". فقام رجلٌ من الأنصار فقال: أنا يا رسول الله. فضيَّفَه وليس عنده إلا قوت صبيانه؛ وقال لزوجته: "فعَلِّلِيهِمْ بشيءٍ، فإذا دخلَ ضيفُنا فأطْفِئِي السراجَ، وأَرِيه أنَّا نأكل، فإذا أَهْوَى ليأكلَ فقومي إلى السراج حتى تُطْفِئِيهِ". قال: فقَعَدُوا وأكلَ الضيفُ. فلمَّا أصبحَ غدَا على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "قد عجِبَ اللهُ مِنْ صنيعِكما بضيفِكما الليلةَ"(مُتفَق عليه).

 

ويستشرفون -رضي الله عنهم- للاتصاف بالخِصال الحميدة ولو بمُفارقة أوطانهم؛ جاء قومٌ إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: يا رسولَ اللهِ، ابعَثْ إلينا رجلًا أمينًا. فقال: "لَأبعثنَّ معكم رجلًا أمينًا حَقَّ أمين". فاستشرفَ له أصحابُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: "قَمْ يا أبا عبيدةَ بن الجرَّاح"(مُتفَق عليه).

 

ولَمَّا أخبرَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أن في هذه الأمة مَنْ يدخلُ الجنةَ بغير حساب؛ قام عُكَّاشةُ فقال: ادعُ اللهَ أن يجعلني منهم. قال: "أنتَ منهم". فقام رجلٌ فقال: يا نبيَّ اللهِ، ادعُ اللهَ أَنْ يجعلني منهم. قال: "سَبَقَكَ بها عكاشةُ"(مُتفَق عليه).

 

وكما أنهم يتسابقون -رضي الله عنهم- في العبادات؛ يُسارِعون أيضًا إلى إدخالِ السرورِ على الخلقِ؛ قال كعب بن مالك -رضي الله عنه-: "لَمَّا نزلَتْ توبتي سمِعتُ صوتَ صَارِخٍ أَوْفَى -أَيْ أشرفَ- على جبلِ سَلْعٍ بأعلى صوتِه: يا كعبُ، أَبشِرْ، وآذَنَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- بتوبةِ اللهِ علينا؛ فذهبَ الناسُ يُبشِّرونَنا، وذهبَ قِبَلَ صَاحِبَيَّ مُبشِّرون، وركضَ إليَّ رجلٌ فرسًا، وسعَى ساعٍ مِنْ أسلَم فأوفَى على الجبل؛ وكان الصوتُ أسرعَ من الفرس، وانطلَقتُ إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيتلقَّاني الناسُ فَوْجًا فَوْجًا يُهَنِّئُونِي بالتوبة؛ حتى دخلتُ المسجد فإذا رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- جالسٌ حولَه الناسُ؛ فقامَ إليَّ طلحةُ بنُ عبيدِ اللهِ يُهَرْوِلُ حتى صافحَني وهنَّاني؛ ولا أنسَاها لطلحة"(مُتفَق عليه).

 

وأمَّا أبو بكر -رضي الله عنه- فهو أكملُ الصحابة سبقًا بالاتفاق. وهبَ مالَه كلَّه للهِ ولرسولِه؛ قال عُمر -رضي الله عنه-: أمرَنا رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يومًا أن نتصدَّق، فوافَق ذلك مالًا عندي؛ فقلتُ: اليومَ أسبِقُ أبا بكرٍ إِنْ سبقتُه يومًا. فجئتُ بنصفِ مالي؛ فقال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما أبقَيتَ لأهلِكَ؟". قلتُ: مِثلَه. وأتى أبو بكرٍ بكل ما عندَه، فقال له رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما أبقَيتَ لأهلك؟". قال: أبقَيتُ لهم اللهَ ورسولَه. قال عُمر -رضي الله عنه-: "لا أسابِقُكَ إلى شيءٍ أبدًا"(رواه الترمذي).

 

وفي يومٍ واحدٍ أصبَح أبو بكرٍ -رضي الله عنه- صائمًا، وتبِعَ جنازةً، وأَطعَمَ مسكينًا، وعادَ مريضًا؛ فقال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَا اجْتَمَعْنَ في امْرِئٍ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ"(رواه مسلم).

 

قال عُمرُ -رضي الله عنه- واصفًا أبا بكرٍ -رضي الله عنه-: "سبَّاقٌ بالخيرات؛ ما استبَقْنا خيرًا قَطُّ إلا سبقَنا إليه أبو بكر"(رواه أحمد).

 

والسابقون الأوَّلون من المُهاجرين والأنصار الذين أنفقوا مِنْ قبلِ الفتحِ وقاتلوا، أعظمُ درجةً من سائر الصحابة، وأفضلُ السابقينَ الأولينَ الخلفاءُ الأربعةُ، وأفضلُهم أبو بكرٍ، ثم عُمَرُ -رضي الله عنهم- جميعًا-.

 

وفي هذه الأمة من اجتهَدَ وسارعَ في الخيرات فسبقَ غيرَه؛ قال -سبحانه-: (وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ)[فَاطِرٍ: 32]. ومِنْ مسارَعة المؤمنينَ إلى الخيراتِ التي أعلَتْ شأنَهم أنهم من خشية ربهم مشفقون، وبآيات ربهم يؤمنون، وبربهم لا يشركون، ويؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون.

 

ومَنْ تيسَّرت له القربةُ والطاعةُ فليُسارِعْ إليها، وليُسابِقْ إليها؛ فالعزائمُ والهممُ سريعةُ الانتقاضِ قلَّ ما تثبُت، قال ابنُ القيمِ -رحمه الله-: "واللهُ -سبحانه- يُعاقِبُ مَنْ فتحَ له بابًا مِنَ الخيرِ فلم ينتهِزُه بِأَنْ يَحُولَ بين قلبِه وإرادتِه، فلا يُمكِّنُه بعدُ من إرادتِه عقوبةً له". قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ)[الْأَنْفَالِ: 24].

 

وقد حثَّ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- على المبادَرة إلى الأعمال الصالحة قبلَ تعذُّرها، والاشتغال عنها بالفتنِ النازلة المُتكاثرة المُتراكِمة؛ فقال: "بادِروا بالأعمال فِتَنًا كقطعِ الليل المُظلم؛ يُصبِحُ الرجلُ مؤمنًا ويُمسِي كافرًا، أو يُمسِي مؤمنًا ويُصبِحُ كافِرًا، يبيعُ دِينَه بعَرَضٍ من الدنيا"(رواه مسلم).

 

وأَخبَرَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- عن أعمالٍ لو علِمَ الناسُ ما في ثوابِها لتسابَقُوا إليها؛ فقال: "لو يعلمُ الناسُ ما في النداء والصفِّ الأول، ثم لم يَجِدوا إلَّا أن يَستَهِموا عليه لَاستهَمُوا؛ ولو يعلمون ما في التهجير -أي التبكير إلى الصلاة- لَاستبقُوا إليه؛ ولو يعلمون ما في العَتمة -أَيْ صلاة العشاء والصبح- لأَتَوهما ولو حَبْوًا -أي لمشَوا إليها على أيديهم وأرجُلهم-"(متَّفَقٌ عليه).

 

ومن سابَقَ في الدنيا إلى الخيرات وسبَق؛ كان في الآخرة سابقًا إلى دخول الجنات؛ قال -سبحانه-: (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * في جَنَّاتِ النَّعِيمِ)[الْوَاقِعَةِ: 10-12].

 

وبعدُ، أيُّها المسلمون: فنافِسوا في المُبادَرةِ إلى الكمالِ مِنَ الأعمالِ، وإِنِ استطعتَ ألَّا يسبِقَكَ إلى اللهِ أحدٌ فافعل، وأعمالُ البرِّ والطاعاتِ كثيرةٌ؛ فَمَنْ سبقَكَ في عملٍ منها فلا يسبِقك إلى غيره؛ ومَنْ حبسَه عذرٌ عن المسابَقة فالنيةُ الصادقةُ تقومُ مقامَ العمل، وسليمُ الصدرِ يدعو لِمَنْ سبقَه إلى القُرُبات بالمغفرة، قال -تعالى-: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ)[الْحَشْرِ: 10]. ومَنْ سابقَ إلى الطاعات فسبق فليحمد الله على توفيقِه ومعونتِه، ولا يعجَبْ بعملِه فيَحبَط.

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ)[فَاطِرٍ: 32].

 

بارَك اللهُ لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعَني الله وإيَّاكم بما فيه من الآيات والذِّكْر الحكيم.

 

أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ الله لي ولكم ولجميع المسلمين؛ فاستغفِروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ للهِ على إحسانِه، والشكرُ له على توفيقِه وامتِنانِه، وأشهد أَنْ لَا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له تعظيمًا لشأنِه، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه؛ صلَّى اللهُ عليه وعلى آلِه وأصحابِه وسلَّم تسليمًا مزيدًا.

 

أيُّها المسلمون: كثرةُ الجدال مانِعٌ من فعلِ كثيرٍ من الخيراتِ فضلًا عن المُسارَعة فيها؛ لَمَّا جادَلَ المشركون المؤمنين في تحويل القِبلة؛ نهَى اللهُ المؤمنينَ عن جدالِهم لِئَلَّا يُشغَلُوا عَنْ فعلِ الخيرِ، وأمرَهم بالمسابَقةِ في الخيرات، قال -سبحانه-: (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ)[الْبَقَرَةِ: 148].

 

ومَنِ اتَّبَعَ هواهُ حُرِمَ من المُسابقة إلى الطاعات؛ فقد نهَى اللهُ رسولَه -صلى الله عليه وسلم- عن اتِّباع أهل الأهواء، وأمرَ بالتسابُق إلى الخيرات فقال: (وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ)[الْمَائِدَةِ: 48].

 

ومِنْ علامةِ إعراضِ اللهِ عن العبد أَنْ يشغَله بما لا يعنيه عن طاعاته؛ والْمُنعَم عليه مَنْ وُفِّقَ للطاعاتِ وسارَع إليها.

 

ثم اعلموا أنَّ اللهَ أمرَكم بالصلاة والسلام على نبيِّه فقال في محكم التنزيل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].

 

اللهمَّ صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ على نبيِّنا محمد، وارضَ اللهمَّ عن خلفائِه الراشدينَ الذين قَضَوْا بالحقِّ وبه كانوا يعدِلون: أبا بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليّ؛ وعن سائر الصحابة أجمعينَ، وعنَّا معهم بجودكَ وكرمكَ يا أكرمَ الأكرمينَ.

 

اللهمَّ أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشركَ والمشركينَ، ودمِّر أعداءَ الدينِ، واجعل اللهمَّ هذا البلدَ آمنًا مطمئنًّا رخاءً وسائرَ بلاد المسلمين يا ربَّ العالمينَ.

 

اللهمَّ أصلِحْ أحوالَ المسلمينَ في كل مكان؛ اللهمَّ اجعل ديارهم ديارَ أمنٍ وأمانٍ يا ربَّ العالمينَ؛ وأعِذْهُم مِنَ الفتنِ ما ظهرَ منها وما بطَن.

 

اللهمَّ أنت الله لا إله إلا أنتَ، أنتَ الغنيُّ ونحن الفقراء؛ أنزِلْ علينا الغيثَ ولا تجعلنا من القانِطين، اللهمَّ أغِثنا.

 

(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[الْأَعْرَافِ: 23].

 

اللهمَّ وفِّق إمامَنا خادمَ الحرمينِ الشريفينِ ووليَّ عهدِه لِمَا تحبُّ وترضَى، وخُذ بناصيتهما للبرِّ والتقوى، وانفَع اللهمَّ بهما الإسلامَ والمسلمينَ، ووَفِّقْ جميعَ ولاةِ أمورِ المسلمينَ للعمل بكتابِكَ وتحكيمِ شرعِكَ يا ربَّ العالمينَ.

 

(رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[الْبَقَرَةِ: 201].

 

عبادَ اللهِ: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النَّحْلِ: 90]. فاذكروا اللهَ العظيمَ الجليلَ يَذكُرْكم، واشكروه على آلائِه ونعمِه يَزِدْكُم، ولذكرُ الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

المرفقات

المسارعة إلى الخيرات سبيل النجاة.doc

المسارعة إلى الخيرات سبيل النجاة.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات