عناصر الخطبة
1/نعمة اللسان والبيان 2/أخطاء وبلايا اللسان 3/خطورة الغيبة وعواقبها 4/شؤم النميمة ومفاسدها 5/وجوب حفظ اللسان.اقتباس
اللسان نعمةٌ امتن الله بها عليك فلا تُصيِّرها إلى نِقمةٍ تُؤاخَذ بها في الدنيا قبل الآخرة. تُؤاخَذ بها في الدنيا: بما يكون من آثار هذا اللسان من تهييج الناس بعضهم على بعض، أو من كلمةٍ تُلقيها لا تُلقي لها بالاً تبلغ عند الله سُخطًا ومقتًا وتثير في الناس ضغائن وأحقاد ....
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمْنْ يُضْلِل فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدُهُ لا شَرِيكَ لَهُ.
وَأَشْهَدُ أَنَّ نبينا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، عبده المُصطفى، ونبيه المُجتبى، فاعبد لا يُعبد كما الرسول لا يُكذَّب، اللهم صلِّ وسلِّم عليه، وعلى آله وصحبه، ومن سار على نهجهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: عباد الله: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله حق تُقاته ولا تموتن إلا وأنتم مُسلمون.
أيها المؤمنون: لما بعث النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- معاذ بن جبل الأنصاري -رَضِيَ اَللَّهُ عَنْه- إلى اليمن استوصى معاذٌ رسولَ الله، فقال -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "يا معاذ! كُفَّ عنك هذا" -وأخذ بلسانهِ أو بلسانِ معاذ-، فقال معاذ: يا رسول الله: أوإنا مؤاخذون بما نقول؟ قال -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "ثكِلتك أُمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم -أو قال: على مناخرهم- إلا حصائِد ألسنتهم".
إن هذا اللسان -يا عباد الله- نعمةٌ امتن الله بها عليك فلا تُصيِّرها إلى نِقمةٍ تُؤاخَذ بها في الدنيا قبل الآخرة. تُؤاخَذ بها في الدنيا: بما يكون من آثار هذا اللسان من تهييج الناس بعضهم على بعض، أو من كلمةٍ تُلقيها لا تُلقي لها بالاً تبلغ عند الله سُخطًا ومقتًا وتثير في الناس ضغائن وأحقاد، وربما أورثتهم قتلاً وحربًا، وأنت لم تُقدِّر قدر ذلك، وأما في الآخرة: فشرٌ وأنكى.
نعم -يا عباد الله-، ومن ذلكم الغِيبة التي فشت في المجالس، وكانت حالاً لها إلا من عصمهم الله -جل وعلا- منها وعصمهم بها، والغيبة -يا عباد الله- هو ذِكْرك أخاك المُسلم بما هو فيهِ مما يعيبه أو يشينه أو يُعيِّره أو ينبذه بلقبه؛ فهذه غِيبة نهى عنها ربنا -جل وعلا- في قولهِ للمؤمنين في آية سورة الحجرات: (وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيتًا فَكَرِهْتُمُوهُ)[الحجرات: 12].
مثَّلها -جل وعلا- بهذا المثال القبيح الفظيع بأن الغيبة كأنك تنهش من لحم أخيك المُسلم المُغتاب وهو ميتٌ بين يديك، ولكن الشيطان -أعاذنا الله وإياكم والمُسلمين منه ومن شره- يُزينها في قلوب الناس ويجعلها حالاً في المجالس حتى فشت وانتشرت في أوساط الرجال بل وفي أوساط النساءِ والصِغار والكبار.
ولما بعثت إحدى أمهات المؤمنين -رضي الله تعالى عنها- إلى النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- بشيء، فرأته عائشة وغارت من ذلك وقالت: "يا رسول الله حسبُك من فلانة إنها قصيرة"، ذكرتها بأمرٍ هو فيها أنها قصيرة، وهذا مما يعيبها ويشينها، فغضِب -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- وقال: "يا عائشة قلتِ كلمةً لو مُزجت بماء البحر لمزجته"؛ أي: كدَّرته وأوسخته، وهي لم تقل إلا أنها قصيرة.
فانظروا -رحمني الله وإياكم- ما يصدر من أفواهنا من غيبات في مجالسنا وعبر وسائِل اتصالاتنا، وفي حديث الإنسان مع خلَّانه من كلامٍ أعظم وأقبح من قولهِ أن فلانًا طويل أو قصير، قيل يا رسول الله: أرأيت إن كان في أخي ما أقول؟! قال: "إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيهِ فقد بهته"؛ أي: رميته بالبُهتان.
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وما فيهِ من الآياتِ والذكر الحكيم، ووقانا وإياكم شرائِر خلقه في ألسنتهم وعقائدهم وقلوبهم وأفعالهم وأحوالهم، فاستغفروا ربكم وتوبوا إليه إنه كان غفارًا.
الخطبة الثانية:
الحَمْدُ للهِ عَلَى إحسانه، والشكر له عَلَى توفيقه وامتنانه، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، إعظامًا لشانه، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، الداعي إِلَى رضوانه، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ ومن سلف من إخوانه، وسار عَلَى نهجهم، واقتفى أثرهم، واتبعهم وأحبهم وذبَّ عنهم إِلَى يوم رضوانه، وَسَلّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: عباد الله: علمتم قباحة الغيبة وشناعتها، ألا فاعلموا أن هناك ذنبًا آخر سائِرًا بين الناس إلا ما رحم ربي هو شرٌّ من هذه الغيبة، أتدرون ما هي يا رعاكم الله؟! إنها النميمة، إنها القتاتة، أن يسعى بين الناس بنقل كلام بعضهم على بعض ليُفْسِد ذات بينهم ويُسيء إلى بعضهم ويُوغِر صُدور بعضِهم على بعض بأنواع الضغاِئِن وأنواعِ الشنآن والأحقاد.
نعم -يا عباد الله-، هذه النميمة سرت بين ضُعفاء النُفوس وضُعفاءِ المروءات وناقصي العقل، بل وناقصي الدين، قال -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "لا يدخل الجنة نمَّام"، وفي رواية: "لا يدخل الجنة قتَّات"، ينقل الكلام بين الصِغار والكبار، بين الرجال والنساء، ينقله على جهةِ إيغار الصُدور، أي فلانًا يقول فيك كذا وكذا، وفلانةٌ تسبكِ بكذا وكذا حتى تمتلئ القلوب بعضها على بعض بأنواع الضغائِن وأنواع الحقد حتى لا تُغسل، وهذه هي فتنة داء الأُمم الضغائِن والتحاسُد، وهي الحالقة لا تحلق الشعر ولكنها تحلق الدين.
ثم اعلموا عباد الله أن أصدق الحديث كلامُ الله، وخير الهدي هدي محمدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، فعليكم عباد الله بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار، ولا يغفل عن الذِّكر إلا القلب القاسية.
اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميدٌ مجيد، اللهم ارض عن الأربعة الهدى، وعن العشرةِ وأصحابِ الشجرة، وعن أمهات المؤمنين، وعن المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم عزًا تُعزُّ به الإسلام، وذلاً تذل به الكفر والبدعة وأهلهما يا ذا الجلالِ والإكرام، اللهم دبر لهذه الأمة أمر رشدها يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، ويُنهى فيهِ عن المنكر يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اجعل ولاية المُسلمين فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا بر العالمين، اللهم انصر المرابطين على حدودنا وعلى ثغورنا، اللهم تقبَّل أمواتهم شهداء، اللهم اشف مرضاهم.
اللهم من أراد بنا أو بالمُسلمين مكرًا أو سوءًا فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميرًا عليه يا سميع الدعاء.
اللهم إنا نسألك بأسمائِك الحسنى وصِفاتك العلا اللهم أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم غيثًا مُغيثًا هنيئًا مريئًا، اللهم إنا نسألك من خيرك وفضلك ورحمتك فإنه لا يملكها إلا أنت يا أرحم الراحمين.
اللهم متع بلادنا بالأمن بالخيرات، واهد قلوبنا لمخافتك وتعظيمك وتوحيدك يا ذا الجلالِ والإكرام، اللهم اغفر للمُسلمين والمُسلمات، والمؤمنين والمؤمنات الأحياءِ منهم والأموات، ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرةِ حسنة، وقنا عذاب النار.
عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النحل: 90]، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت: 45].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم