الشِّتَاءُ… رِسَائِلُ رَبَّانِيَّةٌ

فهد فالح الشاكر
1447/06/07 - 2025/11/28 02:21AM

الخُطْبَةُ الأُولَى

الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ الشِّتَاءَ رِسَالَةً مِنْ رَحْمَتِهِ، وَآيَةً مِنْ آيَاتِ قُدْرَتِهِ، يُقَلِّبُ الأَيَّامَ وَيُدَاوِلُ الفُصُولَ، وَيُذَكِّرُ العِبَادَ بِنِعَمِهِ وَآلَائِهِ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، شَهَادَةً نَرْجُو بِهَا النَّجَاةَ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، الدَّالُّ عَلَى كُلِّ خَيْرٍ، المُنْقِذُ مِنْ كُلِّ ضَلَالٍ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ، عِبَادَ اللهِ:
اتَّقُوا اللهَ حَقَّ التُّقَى، وَارْقُبُوهُ فِي السِّرِّ وَالعَلَنِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ التَّقْوَى سَبِيلُ النَّجَاةِ وَطَرِيقُ السَّعَادَةِ.
قَالَ اللهُ تَعَالَى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾
عباد الله : إِنَّ الشِّتَاءَ لَيْسَ بَرْدًا فَقَطْ، وَلَا هُوَ رِيَاحٌ تَهُبُّ، أو غُيُومٌ تَتَكَاثَفُ؛ بَلْ هُوَ رِسَالَةٌ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ، وَعِبْرَةٌ لِمَنْ تَفَكَّرَ وَتَدَبَّرَ.
الشِّتَاءُ يُعَلِّمُ المُؤْمِنَ أَنَّ الدُّنْيَا لَا تَدُومُ عَلَى حَالٍ؛ فَلَا صَيْفٌ يَبْقَى وَلَا شِتَاءٌ، يَسْتَمِرُّ.
عباد الله
يُذَكِّرُ البَرْدُ الشَّدِيدُ بِنَارِ جَهَنَّمَ الَّتِي نَعُوذُ بِاللهِ مِنْهَا؛ قال رسولُ اللهِﷺ
«اشْتَكَتِ النَّارُ إلى رَبِّهَا فَقَالَتْ: رَبِّ، أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ: نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ، وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ، فَهُوَ أَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الحَرِّ، وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ
عباد الله
وَمَعَ نُزُولِ المَطَرِ يَشْهَدُ المُؤْمِنُ رَحْمَةَ اللهِ تَهْبِطُ عَلَى الأَرْضِ.
قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «ثِنتَانِ لَا تُرَدَّانِ: الدُّعَاءُ عِندَ النِّدَاءِ، وَتَحْتَ المَطَرِ».
وَكَانَ ﷺ يَسْتَبْشِرُ بِالمَطَرِ، وَيَتَلَقَّاهُ بِوَجْهِهِ وَيَقُولُ: «اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا».
وَيَجِدُ المُؤْمِنُ فِي الشِّتَاءِ فُرَصًا عَظِيمَةً لِلتَّقَرُّبِ إِلَى اللهِ؛ فَفِيهِ يَطُولُ اللَّيْلُ فَيَسْهُلُ قِيَامُهُ، وَيَقْصُرُ النَّهَارُ فَيَسْهُلُ صِيَامُهُ، وَتَبْرُدُ الأَجْسَادُ فَيَتَذَكَّرُ العَبْدُ نِعْمَةَ الدِّفْءِ الَّتِي لَا يَشْعُرُ بِقِيمَتِهَا إِلَّا مَنْ فَقَدَهَا.
أيها المؤمنون : وَمَعَ بَرْدِ اللَّيَالِي يَتَذَكَّرُ المُؤْمِنُ الضُّعَفَاءَ، وَالفُقَرَاءَ، وَمَنْ لَا يَمْلِكُونَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا ثِيَابًا خَفِيفَةً، أَوْ مَسْكَنًا لَا يَقِيهِمْ شِدَّةَ البَرْدِ.
قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللهِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ»؛ فَكُنْ نَافِعًا لِغَيْرِكَ، فَإِنَّ اللهَ لَا يَضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ.
أيها المسلمون وَمِنْ تَيِسيرِ اللهِ بِعِبَادِهِ فِي أَيَّامِ البَرْدِ،
أَنْ شَرَعَ لَهُمْ المَسْحَ عَلَى الخُفَّيْنِ،
رُخْصَةً وَتَخْفِيفًا، وَدَلِيلًا عَلَى أَنَّ هَذَا الدِّينَ مَبْنِيٌّ عَلَى الرِّفْقِ وَالسَّهُولَةِ.
فَالمَسْحُ عَلَى الخُفَّيْنِ مِنْ سُنَنِ الهُدَى،
ثَبَتَت بِهِ السُّنَّةُ، وَعَمِلَ بِهِ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ،
وَهُوَ رَحْمَةٌ لِلْمُسَافِرِ وَالمُقِيمِ،
وَرخصةَ ترْفَعُ المَشَقَّةَ، خَاصَّةً فِي أَيَّامِ البَرْدِ وَالمَطَرِ.

فَالحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَجْعَلْ فِي الدِّينِ عُسْرًا،
وَلَا فِي الشَّرِيعَةِ مَشَقَّةً،
بَلْ جَعَلَهَا دِينًا سَمْحًا يَسَهُلُ عَلَى النَّاسِ أَنْ يَقُومُوا بِهِ
عباد الله
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ
الخُطْبَةُ الثَّانِيَة

الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ، وَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ،
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُهُ.

أَمَّا بَعْدُ، عِبَادَ اللهِ:
إِنَّ الشِّتَاءَ مَوْسِمُ الرَّحْمَةِ وَالدُّعَاءِ وَالقُرْبِ مِنَ اللهِ، فَاغْتَنِمُوهُ بِطَاعَةٍ، وَصِدْقٍ، وَإِحْسَانٍ.
اللَّهُمَّ اجْعَلْ شِتَاءَنَا شِتَاءَ خَيْرٍ وَبَرَكَةٍ وَطَاعَةٍ،
اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا هَنِيئًا مَرِيئًا،
اللَّهُمَّ احْفَظْنَا وَاحْفَظْ بِلَادَنَا وَبِلَادَ المُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ سُوءٍ.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلَامَ وَالمُسْلِمِينَ،
وَأَذِلَّ الشِّرْكَ وَالمُشْرِكِينَ،
وَاحْفَظْ وُلَاةَ أُمُورِنَا، وَوَفِّقْهُمْ لِمَا فِيهِ خَيْرُ البِلَادِ وَالعِبَادِ.
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ،
وَقُومُوا إِلَى صَلَاتِكُمْ يَرْحَمْكُمُ اللهُ

المرفقات

1764278503_‎⁨الشتاء رسائل ربانية......⁩.pdf

المشاهدات 522 | التعليقات 0