الله الله في إسلامكم

عبدالله محمد الطوالة
1447/06/06 - 2025/11/27 11:08AM

إنَّ الْحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِيْنُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوْذُ باللهِ مِنْ شُرُوْرِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} ...     

أما بعد: فإنَّ خيرَ الكلام كلامُ الله تعالى، وخير الهديِ هديُ محمدٍ ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكلُّ محدثة بدعة، وكلُّ بدعة ضلالة، وكلُّ ظلالة في النار..

معاشر المؤمنين الكرام: منذ أن وجدّ الحقُّ والباطلُ وهما في صراعٍ وتدافع، ولولا ذلك لفسدت الأرضُ ومن عليها، ففي محكم التنزيل: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ}، فالصراعُ والتدافعُ بين الحق والباطلِ مستمرٌ لا يتوقفُ إلى قيام الساعة.. ومن نتائج ذلك أن تختلف المجتمعات في صفاتها، وأن تتنوع في مناهجها وشرائعها، فتلتقي كل جماعةٍ على شرائع ومناهج تؤلف بينها، وتميزها عن غيرها، قال تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُون}.. ولقد حبى الله تعالى أمة الإسلام شرعاً عظيماً، وهداها صراطا مستقيماً.. من تمسك به أعزَّه الله وأسعده بقدر ما يتمسَّك به، ومن أعرض عنه وتركه، أذلَّه الله وأشقاه بقدر ما يترك منه.. جزاءً وفاقاً.. عطاءً حساباً..

وعلى هذا فمن أصول الإسلام ولوازمه، أن يتميز المسلم بشخصيته الخاصة، وأن يستقل بمنهجه وطريقته، وسمته وهيئته، وأن يعتز ويفتخر بدينه وشرعه وملته، مهما كانت أحوالُ الكفارِ قوةً وتقدماً وحضارة، ومهما كانت أحوالُ المسلمين ضعفاً وتخلفاً وفرقة، جاء في الحديث: "ليس منا من تشبه بغيرنا"..

وهناك نصوصٌ كثيرةٌ متنوعة، من الكتاب والسنة، تنهى المسلم عن التشبه بأصحاب الملل الأخرى، وتبينُ أنهم في ضلالٍ مبين، وأن من قلَّدهم فقد ضلَّ مثلهم، قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ}.. وقال جل وعلا: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذَاً لَّمِنَ الظَّالِمِين}..

ومعلوم يا عباد الله أنَّ الله قد أكمل لنا الدين، وأتمَّ علينا النعمة، ورضي لنا الإسلام دينا.. فهو دينٌ شاملٌ كامل، دينٌ خيارٌ وسط؛ {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}، {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ}..  

فيا أيها المسلم: يا من تتبوأ أعلى مقام، وتتسنم أشرف مكانة، كفاك فخراً أنك على دين الإسلام.. كفاك شرفاً أنّ الله هو من أكرمك وأعزك.. {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ}.. وأيُّ تكريم لك أيها المسلم أعظمَ من أن ينزِّلَ الله لك كتاباً خاصاً يخاطبكُ فيه ويناديك، {لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُون}.. وأيُّ تكريمٍ أجلَّ وأسمى من أن يرسلَ اللهُ لك أعظمَ خلقه, وأشرف رسله، ليزكيك ويهديك إلى صراطٍ مستقيم: {لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ}..

لقد كرَّمك الله أيها المسلم: يوم أن جعلك من خير أمّةٍ أخرجت للناس.. وسيكرَّمك الله أيها المسلم كرماً عظيماً: يوم أن يجعلك شهيداً على الناس يوم القيامة، {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً}..

فكم أنت عظيمٌ وعزيزٌ أيها المسلم، لو عرفت قدرك وقيمتك وتميزك.. {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}..

نعم يا عباد الله: العزيز من أعزه الله، ومن يهن الله فما له من مكرم، ونحن قومٌ أعزنا الله بالإسلام، بالإسلام فقط، ومهما ابتغينا العزةَ بغير الإسلام أذلنا الله.. فكيفَ يرضى مسلمٌ لنفسه أن يضيِّعَ هذه المكانة العالية، كيف يرضى مسلمٌ لنفسه بالهون والدون، ويُعرِضُ عن مصدر عزته، الكتابِ والسنة.. كيف يرضى وقد كرَّمهُ الله، أن يكون مقودًا بعدما كان قائدًا، وأن ينقلب مُقلِّدًا بعدما كان مُرشدًا؟.. كيف يرضى لنفسه أن يصبح ضالاً بعدما كان دالاً، وأن يُصبحَ تابعاً بعدما كان متبوعاً؟.. أليس هذا مِصداقُ قولِ من لا ينطقُ عن الهوى: ﷺ: "لتتبعُنّ سَنَنَ من كان قبلكم، شبرًا بشر، وذراعًا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضبّ لدخلتموه".. لا إله إلا الله: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}.. لا إله إلا الله: {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}..

والنَّبِيّ الكريم ﷺ، قد رسم للمسلم شخصيةً مستقلةً متميزة، ينفرد بها عن غيره من الملل والنِحل، ولا يكون فيها تابعًا لأحد، حتى في صغائر الأمور.. وهذا من أعلى مقامات التربية؛ ومن أهم مقومات بناء الشخصية القوية، قال تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}.. وقال تعالى: {وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ}.. وقال تعالى: {وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون}.. وكثيراً ما نهى النبيُّ ﷺ عن كلِّ ما يُفضي إلى مشابهة الكفار، حتى صار ذلك أصلًا من أصول الدين، ومَعْلَمًا بيّناً من معالم الهُدَى، وطريقًا واضحًا للمسلمين.. فجاءت الأحاديثُ الصحيحةُ، واضحةً صريحةً، تأمر بالمخالفة، وتنهى عن المشابهة، فقال عليه الصلاة والسلام: «خالفوا اليهودَ»، «خالفوا النصارى»، «خالفوا المشركين»، وقال: «ليس منّا من تشبَّه بغيرنا»، وقال: «المرء مع مَن أحب».. وقال: «من تشبَّه بقوم فهو منهم».. حتى أصبح ذلك معلوماً مشهوراً، بل إنّ اليهود أنفسهم قالوا متعجّبين من وضوح هذا المنهج وصرامته: «ما يريدُ هذا الرجلُ أن يدعَ من أمرنا شيئًا إلا خالفنا فيه».. والخبرُ في صحيح مسلم.. فاحذروا يا عباد الله التشبه بالكفار، واعتزَّوا بدينكم، واستقلوا بشخصيتكم، وتميَّزوا بمنهجكم، ولا يستخفنَّكم الذين لا يوقنون، ولا تتبعوا سبيل المفتونين، الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون، {الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}..

واعلموا أن إِسلامَ الوُجهِ للهِ عز وجل، والاستسلام لشرعه ودينه، هو أعظمُ أَسبَابِ الفوزِ والنَّجَاةِ، قَالَ سُبحَانَهُ وتعالى: {بَلَى مَن أَسلَمَ وَجهَهُ للهِ وَهُوَ مُحسِنٌ فَلَهُ أَجرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوفٌ عَلَيهِم وَلاَ هُم يَحزَنُونَ}، وَقَالَ تَعَالى: {وَمَن يُسلِمْ وَجهَهُ إِلى اللهِ وَهُوَ مُحسِنٌ فَقَدِ استَمسَكَ بِالعُروَةِ الوُثقَى وَإِلى اللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ}..

فالمُسلِمَ الحقُّ يهِبُ نَفسَهُ لله، يستسلم وينقادٌ لِرَبِّهِ ومولاه؛ ليس فقط في عِبَادَاتِهِ، بل وَفي عَادَاتِهِ ومعاملاته، وَجَمِيعِ شُؤُونِ حَيَاتِهِ..

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِين * قُلْ إِنَّ صَلاَتي وَنُسُكي وَمَحيَايَ وَمَمَاتي للهِ رَبِّ العَالمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرتُ وَأَنَا أَوَّلُ المُسلِمِينَ}..

أقول ما تسمعون ...

الحمد لله وكفى، وصلاة وسلاما على عباده الذين اصطفى، وبعد:

فاتقوا الله عباد الله وكونوا من الصادقين، وكونوا من {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَاب}..   

معاشر المؤمنين الكرام: فتن هذا الزمان كثيرة وخطيرة، ومن أعظمها وأشدها خطورة، ما يتعلقُ بإعادة تشكيل العقولِ والقناعات، وذلك من خلال توظيف الحضارات القديمةِ البائدة، وإحياء ذكر رموزها الوثنية، وأمجادها وطقوسها الكفرية.. وتقديم ذلك على أنه هويةٌ أصيلة، وأمجادٌ قوميةٌ تليدة، ليُعاد من خلال ذلك وأشباههِ تشكيلُ الانتماءِ والهوية، ولتُمحى من ذاكرة الأجيالِ شيئاً فشيئاً معالمُ الإسلامِ المشرقة، ومسلماته الثابتة، وليغيب عنها أنَّ هذا الدين هو سرُّ عزتها وكرامتها.. وأنّ الإسلام هو الذي وحّد القلوب، وحرَّر الإنسان من عبودية الحجر والبشر، وصنع أمةً لم تعرف الدنيا مثلها عدلاً ورحمةً، ونوراً ورقيّاً.. وأنَّ المسلم له شخصيةٌ مستقلة، ومنهجٌ متميزٌ مختلف.. وأنّ مصدرَ فخرِ المسلم هو دينهُ وقُرآنه.. {لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُون}.. فأين افتخارنا واعتزازنا بالإسلام.. وأين توظيفُ الطاقات والامكانياتِ لخدمة القرآن.. وأين المشاريع المشابهة لإيصالِ أنوارهِ إلى المحرومينَ منه من الاقربين والأبعدين..  فاحذروا يا عباد الله، واعلموا أنَّ أعظمَ ما يحتفي به المسلم ويفتخر هو قوة إيمانه، وأن أعظمَ إنجازات المسلم هي التقوى وتعلم آيات القرآن.. {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُون}، وفي صحيح البخاري: «خَيْرُكُمْ مَن تَعَلَّمَ القرآن وَعَلَّمَهُ»، وفي الحديث الصحيح، «أهل القرآن، هم أهل الله وخاصته».. فالله الله في الإسلام والقرآن.. فأغلى وأعزَّ ما لدى المسلمِ دينهُ وعقيدتهُ وإيمانه وقرآنه، فبها ينالُ رِضَا الرَّحْمَنِ، وَالْخُلْدَ فِي الْجَنَّان، وبدونها فمآلهُ الضلالُ والخسران، والخلودُ في النيران.. وأعداءُ الملِّةِ والدين أشدَّ ما يكونون حِرصاً على فتنة المسلمِ وصدِّهِ عن دينه، بأي وسيلة كانت، قال تعالى: {أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كَافِرُونَ}، وقال تعالى: {إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ}، وقال جلَّ وعلا: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}، وقال تعالى: {وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ}.. وغيرها من الآيات كثير... كما أنَّ المصطفى ﷺ أخبرنا وحذرنا بأنَّ هذه الأمّةَ ستتعرضُ لمحنٍ وابتلاءاتٍ شديدةٍ، وفتنٍ كقطع الليلِ المظلمِ، يلتبسُ فيها الحقُّ بالباطل، ويضِلُ بسببها خلقٌ كثيرٌ.. ففي البخاري ومُسلم قال عليه الصلاة والسلام: "يكونُ في آخرِ الزمانِ فِتَنٌ كقِطَعِ الَّليلِ المظلِمِ، يُصبِحُ الرجلُ مؤمنًا ويمسي كافرًا، ويُمسي مؤمنًا ويُصبِحُ كافرًا"، وفي رواية: "يبيعُ أقوامٌ دينَهم بعرَضٍ منَ الدنيا قليلٍ".. وصحَّ أنه ﷺ حذَّر أمته من دُعاة الفتن، فعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال، قال رسول الله ﷺ: "يكونُ دُعاةٌ على أبوابِ جَهنَّمَ، مَن أجابَهم إليها قَذفُوه فيها)، قلتُ: يا رسولَ اللهِ! صِفْهم لنا، قال: "هم قومٌ مِن جِلدتِنا، يَتكلَّمونَ بألْسنتِنا"، وفي الحديث الصحيح، قال ﷺ: "يكونُ في آخرِ الزمانِ دجَّالون كذَّابون، يأتونكم من الأحاديثِ بما لم تسمَعوا أنتم ولا آباؤكم، فإياكم وإياهم، لا يضلُّونَكم ولا يَفتِنونكم".. 

ومن أوضح الواضحات في دين الله.. وجوب الحبُّ في الله والبغض في الله، أي أنّ تحبَّ ما يحبهُ اللهُ جلّ وعلا، وأن تكرهَ ما يكرهُهُ اللهُ عزّ وجلّ.. وأنّ كلَّ من أحبَّ الكافرين أو عظَّمهُم، أو رضيَ بشيءٍ مما يخصهم.. أحياء كانوا أو ميتين، فقد خالف أمر الله.. {لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ}..

ألا فمن كان حريصاً على سلامة دينه، راغبًا في فوزه ونجاته، فليتق الله وليلزم هَديَ دينه وكتاب ربه، وليتبع سبيل المؤمنين، وليحذر طريق المشركين والمغضوب عليهم والضالين.. قال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}..

ويا ابن آدم عش ما شئت فإنك ميت، واحبب من شئت فإنك مفرقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، البر لا يبلى، والذنب لا ينسى، والديان لا يموت، وكما تدين تدان..

اللهم صل على محمد..

المشاهدات 578 | التعليقات 0