المُقارناتُ السيئةُ فسادُ الدِّيْنِ والدُّنيا

عبدالمحسن بن محمد العامر
1447/06/07 - 2025/11/28 00:20AM

الحمدُ للهِ الحَكمِ العَدْلِ، لهُ النِّعْمَةُ والمِنَّةُ والفضلُ، وأشهدُ ألّا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ لهُ؛ ثَبَتَتْ وحْدَانيَّتُهُ بالفطْرةِ والنَّقلِ والعَقْلِ، وأشهدُ أنَّ محمّداً عبدُه ورسولُه صاحبُ القولِ الفَصْلِ، والعَطاءِ الجَزْلِ، والنّوَالِ والبَذْلِ، صلى اللهُ وسلّمَ عليه، وعلى آلهِ وأصحابِه خيرِ ألٍ وصحبٍ وشَمْلٍ، وعلى التّابعينَ ومَنْ تَبِعَهُم بإحسانٍ إلى يومِ الفَصْلِ..

أمّا بعدُ: فيا عبادَ اللهِ: أوصيكم ونفسي بتقوى اللهِ تعالى، فتقوى اللهِ تُعِيْنُ على النّوائبِ، وتُصْلِحُ المَعَائِبَ، وتُحَقِّقُ المَطالبَ، وتَسُدُّ المَثالبَ "تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ"

معاشرَ المؤمنينَ: المُقارناتُ السَّيئةُ، داءٌ عُضالٌ، ومَسْلَكُ شرٍّ وَ وَبَالٍ، تُفسِدُ الدِّينِ والدُّنيا، وتَحْرِمُ الخَيْرَ عَنِ الذَّاتِ، وتحْجُبُ عنها الزَّكَاءَ والصّلاحَ، وتُوْقِعُ في التّعالي والاسْتِكْبَارِ، فالمقارَنةَ السَّيئةَ جعَلتْ إبليسَ يَعصيْ اللهَ، ويَكفرُ به، ويَتكبَّرُ عنْ أمرِهِ سبحانَه، وذلك حينَ قَارَنَ إبليسُ نَفْسَه بآدمَ عليْهِ السلامُ فقالَ: "أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ" قالَ ابنُ كثيرٍ: (فَنَظَرَ الَّلَعِيْنُ إلى أصْلِ العُنْصُرِ، ولمْ يَنْظرْ إلى التَّشْرِيْفِ العَظِيْمِ، وَهوَ أنَّ اللهَ تَعالى خَلَقَ آدمَ بِيَدِهِ، وَنَفَخَ فِيْهِ مِنْ رُوْحِهِ، وَقَاسَ قِياساً فَاسِداً في مُقَابَلةِ نصِّ قَوْلِهِ تَعَالى:" فقعوا له ساجدين " فَشَذَّ مِنْ بَيْنِ المَلائِكَةِ بِتَرْكِ السُّجودِ؛ فَلهذَا أبْلَسَ مِنْ الرَّحْمَةِ، أيْ: أَيَسَ مِنَ الرَّحْمَةِ)

والمُقارَنِةُ السيئةُ تُعمِي عَنِ البحثِ عَنِ الخللِ، وتَصُدُّ عَنْ مَعْرِفَةِ سَبَبِ الإخفاقِ والفَشَلِ، فعندما قَرّبَ هَابِيْلُ وقَابِيْلُ قرابيْنَهما، وتقبَّلَ اللهُ مِنْ أحدِهمَا ولم يَتَقَبَّلْ مِنَ الآخرِ؛ لم يَبْحَثْ الذي رُدَّ قُرْبَانُهُ عن الخَلَلِ، ولمْ يَتَعَرَّفْ سَبَبَ الرَّدِّ، بلْ بَادَرَ بَقَتْلِ أَخِيهِ؛ قالَ تعالى: "وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ ۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ"

والمقارناتُ السَّيئةُ، تَحْجُبُ عنْ قبولِ الحقِّ، وعنْ اتّباعِ الصّراطِ المستقيمِ، وتكونُ حاجزاً ومانعاً عنِ الاسْتِسْلامِ للهِ تعالى، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ فِي السِّيرَةِ: أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ، وَأَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ، وَالْأَخْنَسَ بْنَ شَرِيقِ بْنِ عَمْرِو بْنِ وَهْبٍ الثَّقَفِيَّ، حَلِيفَ ابْنِ زُهْرَةَ، خَرَجُوا لَيْلَةً لِيَسْتَمِعُوا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَهُوَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ فِي بَيْتِهِ، فأخذَ كلُّ واحدٍ مِنْهُمْ مَجْلِسًا يَسْتَمِعُ فِيهِ، وكلٌّ لَا يَعْلَمُ بِمَكَانِ صَاحِبِهِ، فَبَاتُوا يَسْتَمِعُونَ لَهُ، حَتَّى إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ تَفَرَّقُوا، حَتَّى إِذَا جَمَعَتْهُمُ الطَّرِيقُ، فَتَلَاوَمُوا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: لَا تَعُودُوا، فَلَوْ رَآكُمْ بَعْضُ سُفَهَائِكُمْ لَأَوْقَعْتُمْ فِي نَفْسِهِ شَيْئًا، ثُمَّ انْصَرَفُوا، حَتَّى إِذَا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الثَّانِيَةُ عَادَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ إِلَى مَجْلِسِهِ، فَبَاتُوا يَسْتَمِعُونَ لَهُ، حَتَّى إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ تَفَرَّقُوا حَتَّى إِذَا جَمَعَتْهُمُ الطَّرِيقُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ مِثْلَ مَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ، ثُمَّ انْصَرَفُوا، حَتَّى إِذَا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الثَّالِثَةُ، أَخَذَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ مَجْلِسَهُ، فَبَاتُوا يَسْتَمِعُونَ لَهُ، حَتَّى إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ تَفَرَّقُوا، فجَمعهم الطَّرِيقُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: لَا نَبْرَحُ حَتَّى نَتَعَاهَدَ لَا نَعُودُ، فَتَعَاهَدُوا عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ تَفَرَّقُوا.
فَلَمَّا أَصْبَحَ الْأَخْنَسُ بْنُ شَريقٍ أَخَذَ عَصَاهُ، ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى أَتَى أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ فِي بَيْتِهِ، فَقَالَ: أَخْبِرْنِي يَا أَبَا حَنْظَلَةَ عَنْ رَأْيِكَ فِيمَا سَمِعْتَ مِنْ مُحَمَّدٍ؟ قَالَ: يَا أَبَا ثَعْلَبَةَ، وَاللَّهِ لَقَدْ سمعتُ أَشْيَاءَ أَعْرِفُهَا وَأَعْرِفُ مَا يُراد بِهَا، وسمعتُ أَشْيَاءَ مَا عرفتُ مَعْنَاهَا، وَلَا مَا يُرَادُ بِهَا، قَالَ الْأَخْنَسُ: وَأَنَا وَالَّذِي حَلفتَ بِهِ، قَالَ: ثُمَّ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ حَتَّى أَتَى أَبَا جَهْلٍ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ بَيْتَهُ؛ فَقَالَ: يَا أَبَا الْحَكَمِ؛ مَا رَأْيُكَ فِيمَا سَمِعْتَ مِنْ مُحَمَّدٍ؟ قَالَ: مَاذَا سمعتُ؟! تَنَازَعْنَا نَحْنُ وَبَنُو عَبْدِ مَنَافٍ الشَّرَفَ: أَطْعَمُوا فَأَطْعَمْنَا، وَحَمَلُوا فَحَمَلْنَا، وَأَعْطَوْا فَأَعْطَيْنَا، حَتَّى إِذَا تَجَاثَيْنَا عَلَى الرُّكَبِ، وَكُنَّا كفَرَسيْ رِهانٍ قَالُوا: مِنَّا نَبِيٌّ يَأْتِيهِ الْوَحْيُ مِنَ السَّمَاءِ، فَمَتَى نُدْرِكُ هَذِهِ؟ وَاللَّهِ لَا نُؤْمِنُ بِهِ أبَدًا وَلَا نُصَدِّقُهُ؛ قَالَ: فَقَامَ عَنْهُ الْأَخْنَسُ وَتَرَكَهُ.

أرأيتمْ كيفَ حَجَبَتِ المُقارنةُ عنِ الحقِّ، وكيفَ مَنَعتْ عنِ اتباعِ الصراطِ المستقيمِ، وكيفَ كانتْ حَاجِزاً مانعاً عنِ الاسْتِسْلامِ للهِ ربِّ العَالمينَ.

عبادَ اللهِ: المُقارناتُ الخاطئةُ؛ وإنْ كانتْ مِنَ المُجتهدينَ، ومِنْ مريديْ الخيرِ؛ تَجرُّ إلى الغلوِّ، ومُخالفةِ الهديِ النّبويِّ؛ لأنها ليستْ على فَهمٍ وبصيرَةِ؛ عنْ أنسِ بنِ مالكٍ رضيَ اللهُ عنهُ قالَ:" جَاءَ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ إلى بُيُوتِ أزْوَاجِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، يَسْأَلُونَ عن عِبَادَةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأنَّهُمْ تَقَالُّوهَا، فَقالوا: وأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟! قدْ غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ وما تَأَخَّرَ، قالَ أحَدُهُمْ: أمَّا أنَا فإنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أبَدًا، وقالَ آخَرُ: أنَا أصُومُ الدَّهْرَ ولَا أُفْطِرُ، وقالَ آخَرُ: أنَا أعْتَزِلُ النِّسَاءَ فلا أتَزَوَّجُ أبَدًا، فَجَاءَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إليهِم، فَقالَ: أنْتُمُ الَّذِينَ قُلتُمْ كَذَا وكَذَا؟! أَمَا واللَّهِ إنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وأَتْقَاكُمْ له، لَكِنِّي أصُومُ وأُفْطِرُ، وأُصَلِّي وأَرْقُدُ، وأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فمَن رَغِبَ عن سُنَّتي فليسَ مِنِّي" رواهُ البخاريُّ ومسلمٌ، فهؤلاءِ الثلاثةُ قارنوا أنفسَهُمْ برسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلّمَ، وقالوا: عبادةُ النّبيِّ صلى اللهُ عليه وسلّمَ قَلِيْلَةٌ، ولنْ نَقِيْسَ عبادَتَنَا بعبادَتِهِ، فهو قدْ غُفِرَ لهُ ما تقدَّمَ مِنْ ذنبِه وما تأخرَ، وأما نحنُ فلا؛ فينبغي أنْ نَكونَ أكثرَ منهُ، وأنْ نَنَقطعَ للعبادةِ كما سمعتم في الحديثِ، ولكنّهم لم يُوَفَّقُوا بهذه المُقارنَةِ، وإنما أغضبتِ النّبيَّ عليه الصلاةُ والسلامُ؛ حتّى أنكرَ قولَهم، وبيّن لهمْ سُنَّتهْ.

معاشرَ المؤمنينَ: المُقارناتُ السيئةُ؛ تُفْسِدُ الحَياةَ، وتجعلُ المرءَ يَمُدُّ عيْنَيْهِ إلى ما في أيدي الآخرينَ، قالَ تعالى: "وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ۚ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ" قالَ ابنُ كثيرٍ ــ رحمهُ اللهُ ــ  (لا تَنْظرْ إلى هؤلاءِ المُتْرَفِيْنَ وأَشْبَاهِهِمْ ونُظَرَائِهم، وما فيهمْ مِنَ النِّعَمِ فإنَّمَا هوَ زَهْرَةٌ زَائلَةٌ، وَنِعْمَةٌ حَائِلَةٌ، لِنَخْتَبِرَهُمْ بِذَلِكَ، وَقَلِيْلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ)

عبادَ اللهِ: الواقِعونَ في المُقارناتِ، على مشاربَ شتّى، فمنهم مَنْ يُقارِنُ نفسَهُ بغيرِهِ، ومِنْهُم مِنْ يقارِنُ حياتَه العائليّةَ بحياةِ الآخرينَ، ومِنهم مَنْ يُقارِنُ بينَ أولادِهِ، وهناكَ المُقارناتُ الزّوجيَّةُ، والمقارناتُ الطّلابيةُ، وغيرُها.

أيَا أربابَ الأُسرِ، ويا أفرادَها: المقارناتُ معَ الآخرينَ تَسِرِقُ سعادَتكم، وتَسْلُبُ ثِقَتَكُم، وتُخَلْخِلُ بُنْيَانَكُم، فانْبُذوا المقارناتِ معَ الآخرينَ واطرحوها جانباً بعيداً.

أيّها الوالِدَانِ: المقارَنَاتُ بينَ الأولادِ تُفَرِّقُهم، وتُوْغِرُ صُدُرَهمْ على بَعْضٍ، وتُنْشئُ الحَسَدَ والبغضاءَ بينَهم.

أيها الزّوجانِ: المقارناتُ تُفسِدُ الحياةَ الزوجيَّةَ، وتقتُلُ حَيَوِيَّتَها وبَهْجَتَها، وتُدَمِّرُ استقرَارَها، وتَقْضِي على سكينَتِها، وتُشعرُ الطَّرفَ الآخرَ بأنَّ الرَّابِطَ بينَهُما أمورٌ مادّيَّةٌ، وشكليّةٌ، وأنّهُ لا عُمْقَ في مَحَبَّتِهمَا وحياتِهمَا.    

أيّها المعلمونَ والمُرَبّونَ: إيّاكُم والمُقَارَنةِ بينَ الطّلابِ، فإنها مُحطِّمةٌ لهم، وليستْ أسلوبَ تحفيزٍ أبداً، وهي مخالفةٌ للقاعدَةِ التربويةِ التي توجِبُ على المعلِّمِ والمُرَبِّي مراعاةُ الفوارقِ الفرديَّةِ بينَ الطُّلابِ.

باركَ اللهُ لي ولكم بالكتابِ والسنّةِ، ونفعنا بما صرّفَ فيهما من العبرِ والحِكْمَةِ.

أقولُ قولي هذا وأستغفرُ اللهَ لي ولكم إنّهُ كانَ غفّاراً.

الخطبةُ الثّانيَةُ:

الحمدُ للهِ مُقَسِّمِ الأرزاقِ والمواهِبِ، ومسَخِّرِ البَشَرِ لبعْضِهمِ على اختلافِ الوِجْهَاتِ والمشارِبِ، وأشهدُ ألا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ ذو القَدَرِ النّافذِ والأمرِ الغالبِ، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُهُ ورسولُهُ؛ صلى اللهُ وسلَّمَ عليهِ ما كَتَبَ كاتِبٌ، وما هَطلَ مَطرٌ سَاكِبٌ، وعلى آله وأصحابِه أهلِ القَدْرِ الوَاجبِ، وعلى التّابِعينَ ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يومِ الأهوالِ والمَصَاعِبِ.

أمَّا بعدُ: فيا عبادَ اللهِ اتقوا اللهَ :"وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ"

معاشرَ المؤمنينَ: المُقارناتُ تَجرُّ إلى الاعْتِرَاضِ على القَدَرِ، وإلى عَدَمِ الرِّضا بما قسمَ اللهُ للعبدِ، فاللهُ خلقَ كلَّ واحدٍ مِنَ البشرِ  بِشَخْصِيَّةٍ مُستَقِلَّةٍ، وحياةٍ مُغايِرَةٍ لحياةِ غيرِهِ؛ لهُ مَسَارُهُ في الحَياةِ، وهذا المَسَارُ لنْ تُغَيِّرَهُ المُقارناتُ، ولنْ تُبَدِّلَه، قالَ تعالى: "إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ" وقالَ سبحانَهُ: "نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ"

ويجبُ على المسلمِ أنْ يَفهَمَ معنى الغِنى فَهْمَاً صحيحاً، فليسَ الغِنى مُجَرَّدُ تَمَلُّكِ الأموالِ، والإكثارِ مِنَ الأملاكِ، فالغِنى الحقيقيُّ هو غِنى القلبِ والاستِغْناءُ عَمَّا في أيدي النّاسِ؛ قالَ عليه الصّلاةُ والسّلامُ: "ليسَ الغِنَى عن كَثْرَةِ العَرَضِ، ولَكِنَّ الغِنَى غِنَى النَّفْسِ" رواه البخاريُّ ومسلمٌ عن أبي هريرة رضيَ اللهُ عنه.

وليعلمِ المسلمُ أنَّ المُقارناتِ ليستِ السبيلَ للحصولِ على الشيءِ المفقودِ، أو حصولِ الشيءِ المَرْغُوبِ، فينبغي للمسلمِ أنْ يَنْظُرَ إلى الشيءِ المفقودِ مِنْ طريقينِ: إمَّا أنْ يكونَ ذلكَ الشيءُ المَفْقُودُ مِمّا لا سبيلَ إليهِ البَتَّةُ؛ كالجَمَالِ، والنَّسبِ، والجِنْسِ ونحوِها، فهذا يجبُ فيه الرضا والتّسليمُ والقناعةُ بما أعطى اللهُ تعالى.

وإمّا أنْ يكونَ ذلكَ الشيءُ المفقودُ متاحاً للمرءِ كما أتيحَ لغيرِه؛ كالمالِ ونحوِهِ مِمَّا يُكْتَسبُ بالسَّعيِ والاجتهادِ؛ فهذا ينبغي للمرءِ أنْ يسعى إليه مِنْ غيرِ مقارناتٍ تؤخِّرُ ولا تُقدّمُ، وتَضُرُّ ولا تَنْفَعُ.

وبعدُ عبادَ الله: قالَ عليه الصلاةُ والسّلامُ: "انظروا إلى من هو أسفلَ منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقَكم، فإنه أجدَرُ أنْ لا تزدَروا نعمةَ اللهِ عليكم" رواه التّرمذيُّ وصَحَّحَهُ الألبانيُّ.

هذا وصلّوا وسلموا ..  

المرفقات

1764271175_المُقارناتُ السيئةُ فسادُ الدِّيْنِ والدُّنيا.docx

1764271198_المُقارناتُ السيئةُ فسادُ الدِّيْنِ والدُّنيا.docx

المشاهدات 818 | التعليقات 0