النَزَاهة

عبدالعزيز بن محمد
1447/06/13 - 2025/12/04 23:37PM

إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَمَّا بَعْدُ:

·        (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)

·        (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)

·        (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)

 

أيها المسلمون: أَجْمَعَ العُقَلاءُ عَلَى أَنَّ أَشْرَفَ النُجَباءِ، وأَكْرَمَ الجُلَسَاءِ، وأَرْقَى الفُضَلاءِ، مَنْ كَانَ نَقِيَّ السِيْرَةِ، صَافِي السَرِيْرَةِ، لا يُخْفِيْ بَيْنَ جَوانِحِهِ خَبِيْئَةَ سُوءٍ، ولا يَحْمِلُ بَيْنَ أَضْلُعِهِ مَخْزَناً لِهَوى.  نَزِيْهٌ عَفِيْفٌ طَاهِرٌ مُهذَّب، تَقِيٌّ نَقِيٌّ شَرِيْفٌ مُؤَدَّبْ. نَزِيْهُ الظَاهِرِ والبَاطِنِ، سِرُّهُ كَعَلانِيَتِهِ، وجَهْرُهُ كَخَافِيَتِه، مأَمُونٌ في تَعامُلِهِ، مأَمُونٌ في كُلِّ أَحْوالِهِ. نَزِيْهٌ لا يَرْتَضِيْ للنَّفْسِ عَيْشَ الهَمَلِ، لا يَرْتَضِيْ للنَّفْسِ سُوءَ العَمَلِ. لا يَبْتَغِيْ عَيْشَ اللئِامِ، لا يَقْتَفِيْ دَرْبَ الطَّغام. قَدْ طَهَّرَ النَّفْسَ مِنْ سُوءٍ ومِنْ زَلَلِ. مُتَنَزِّهٌ، يأَبَى الخُنُوعَ لِشَهْوَةٍ، يأَبَى الجَنُوحَ لِنَزْوَةٍ، يأَبَى الهُبُوطَ لِمُشْتَهَىً أَو مَطْمَعِ.

خُلُقُ النَّزاهَةِ ما أَرْقاهُ مِنْ خُلُق! يَحْمِلُ على نَبْذِ الرَذائِلِ ومُجانَبِتِها، وعلى البُعْدِ عَنْ الشُّبُهاتِ ومُقَارَبَتِها. فالنَّزِيْهُ يَتَوَقَّى مَوَاطِنَ الرِيَبِ كَما يَتَوَقَى الأَنِيْقُ المُرُورَ في دَرْبِ الوَحَل. يَتَجذَّرُ خُلُقُ النَّزَاهَةِ في القَلْبِ حِيْنَ يُسْقَى بِماءِ المُرُوءَةِ، ويُرْوَى بِماءِ الإِيْمانِ، ويُمَدُّ بِمِدادِ التَّقْوَى.  ولا تَتَحَقَّقُ النَزَاهَةُ في المرءِ إِلا بِاكْتِمالِ أُصُولِها الثَلاثَةِ: نَزاهَةُ القَلْبِ، ونَزاهَةُ الجَوارِحِ، ونَزَاهَةُ السُلُوك.

فـ (نَزاهَةُ القَلْبِ) تَكُونُ بإِخْلاصِ النِيَّةِ، وسَلامَةِ الطَوِيَّةِ، حُسْنِ القَصْدِ، والبُعْدِ عَنْ الهَوَى {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}  (ونَزاهَةُ الجَوارِحِ) تَكُونُ بصْدْقِ الحَدِيْثِ، وغَضِّ البَصَرِ، وحِفْظِ السَّمْعِ، والكَفِّ عَنْ الغِيْبَةِ، والنَّمِيْمَةِ، وعَنْ الهَمْزِ واللَّمْزِ، والشَّتْمِ، والسَّبِّ، والقَذْفِ، وأَصْنافِ الأَخْلاقِ الدَّنِيْئَة {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ}  

(ونَزَاهَةُ السُلُوكِ) تَكُونُ بِحِفْظِ الأَمانَةِ، وأَداءِ الحُقُوقِ، وتَحَمُّلِ المَسْؤُولِيةِ، وعَدَمِ الجَرأَةِ على أَمْوالِ النَّاسِ، وأَعْراضِهِم، وحُرُماتِهِم، وبالتَّجافِيْ عَنْ كُلِّ عَمَلٍ مَشِيْن، وبالتَّخَلُّقِ بِكُلِّ سُلُوكٍ كَرِيْم.  وأَشْرَفُ مَراتِبِ النَزاهَةِ، قِيامُ العَبْدِ بِحُقُوقِ رَبِهِ، وكَفِّهِ عَنْ مُخالَفَةِ أَمْرِه. وفي الحَدِيْثِ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ» متفق عليه

ذَاكَ النَزِيْهُ إِذا ما حُدِّثْتَ عَنْ رَجُلٍ، عَشِقَ الكَرامَةَ لا يَرُومُ سِواها. ذَاكَ النَزِيْهُ فَلا تُفارِق ظِلَّهُ، أَدْرِكْ مُنَاكَ بِصُحْبَةِ النُّزَهاءِ.  النَزِيْهُ، مَأَمُونُ الجَانِبِ في كُلِّ أَحْوالِهِ، إِنْ وَلِيَ لَكَ أَمْرٌ فَهْوَ نَاصِحُ حافِظٌ أَمِيْن، وإِنْ وَلِيْتَ لَهُ عَمَلاً فَلَنْ تَخْشَى مِنْهُ ضَراراً ولا نُكْراناً ولا جُحُوداً.  ولَمْ يَرَى العُظَماءُ أَشْرْفَ مِنْ نَزِيْه. والظَفَرُ بالنَّزِيْهِ مِنْ أَسْمَى مَطالِبِ المُلُوكِ والوُلاةِ الصُلَحاءِ. يُوسُفُ عليهِ السَلام نَبِيٌّ كَرِيْمٌ، جَمَع بَيْنَ نَزاهَةِ القَلْبِ، ونَزَاهَةِ الجَوارِحِ، ونَزاهَةِ السُلُوكِ، كَابَدَ لأَجْلِ النَزاهَةِ كُلَّ مَشَقَةٍ، ولاقَى في الثَباتِ عَلِيْها كُلَّ عَناء، ولَبِثَ في السِّجْنِ لأَجْلِها بِضْعَ سِنِيْنٍ. فَاعْتَلَى بِها مَقاماً مِنَ السُّؤْدَدِ لَمْ يُدْرِكْهُ غَيْرُه {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ} رأَى مِنْهُ نَزاهَةً وأَمانَةً وصَلاحاً، فأَقامَهُ مِنْهُ أَقْرَبَ مَقَام {..قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ * قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ * وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}

* النَزاهَةُ، مَنْ سُلِبَها سُلِبَ أَشْرَفَ خِصْلَةٍ مِنْ خِصَالِ الخَيْرِ. ومَنْ وُصِفَ بِها فَقْدَ بَلَغَ غايَةَ الرِّفْعَةِ والثَّناء.  ومَا مِنْ أَحَدٍ إِلا ويَرَى نَفْسَهُ مِثالاً في كَمالِ النَزاهَةِ، وفي تَمامِ النَّقَاءِ، ولو أَقامَ المرءُ على نَفْسِهِ رَقِيْبَ عَدْلٍ، لأَدْرَكَ أَنَّ جِدارَ النَزاهَةِ لَدَيْهِ رُبَّما أَصابَهُ الصَّدْعُ في بَعْضِ جَوانِبِهِ وهُو لا يَشْعُر.  والصَّدْعُ في جِدارِ النَزاهَةِ إِنْ لَمْ يُرأَبْ، يَتَدَاعى ويَتَّسِعُ ويَزْداد.   وَتَظْهُرُ حَقِيْقَةُ النَّزَاهَةِ لَدى المَرْءِ، حِيْنَ تَكُونُ لَهُ قُدْرَةٌ على عَمَلٍ ما تَهْواهُ نَفْسُهُ مِنَ الأَهواءِ الدَنِيَّةِ، ونَيْلِ الشَهَواتِ الخَفِيَّةِ، أَو تَصْطَدِمُ قَرارَاتُه الصَحِيْحَةُ بِمَصَالحِهِ الشَّخْصِيَّةِ.  فَهُناكَ تُبْتَلى النَزَاهَةُ وتُكْشَفُ على حَقِيْقَتِها. 

فَالمَرءُ يَعْلَمُ أَنَّ الغِلَّ والحِقْدَ والحَسَدَ مِنْ الكَبائِرِ التِيْ لا يَقْبَلُ بِها قَلْبُ النَّزِيْه. والمَرءُ يَعْلَمُ أَنَّ الغِيْبَةَ والبْهْتَانَ والنَّمِيْمَةَ مِنْ الكَبائِرِ التي لا يَتَفَوَّهُ بِها لِسَانُ النَزِيْه. والمَرءُ يَعْلَمُ أَنَّ الغِشَّ والخَدِيْعَةَ والظُلْمَ والعُدْوانَ مِنَ الكَبائِرِ التي لا يَتجَرأُ عليها سُلُوكُ النَزِيْهِ. والمَرءُ يَعْلَمُ أَنَّ أَمْوالَ النَّاسِ وأَعْرَاضَهُم وحُرُماتِهِم، مَصُونَةٌ مُحَرَّمَةٌ لا يَسْتَبِيْحُها مَنْ كانَ نَزِيْه.  وحِيْنَ يُثُورُ في النَّفْسِ بُرْكانُ الهَوى، يَهْوِيْ جِدارُ النَزاهَةِ في النَّفْسِ إِنْ لَمْ يَكُن بالصِدْقِ بُنِي.   كَانَ يَرَى أَنَّهُ امْرأً نَزِيْهاً، فَما لَهُ باتَ يَحْمِلُ الحِقْدَ والحَسدَ؟! وما لَهُ يَتَشَفَّى مِنْ مُبْغِضِهِ بالغِيْبَةِ والنَّمِيمَةِ والكذِبِ والبُهْتان؟! وما لَهُ حِيْن رأَى طَمَعاً لاحَ لَهُ فارْتَضَى مَرْكَبَ الخِدِيْعَةِ والغِشِّ والتَدْلِيْسِ والعُدْوان؟!  نَزاهَةٌ نُزِعَتْ على أَعْتابِ الهَوى فَهِيْ في الوَحْلِ تُغْمَسُ.

وأَصْدَقُ النَاسِ نَزاهَةً هُمْ أَحْمَاهُم لِجَنابِها. فَلا يَرْضَى النَزِيْهُ لِنَفْسِهِ أَنْ يُرْمَى بِما يَصِمُ.  لا يَرْضَى النَّزِيْهُ أَنْ يُرَى في مَكانِ رِيْبَةٍ ــ وإِنْ كانَ صَافِ القَصْدِ نَقِياً ــ ولا يَرْضَى النَّزِيْهُ أَنْ يَخُوضَ النَّاسُ في عِرْضِهِ، ولا أَنْ تُساءَ بِهِ الظُنُونُ. ومَنْ غَشِيَ مَواطِنَ الرِيَبِ مُسْتَخِفاً بِنَظَرِ النَّاسِ، مَسْتَهِيْناً بِمَقالِهِم فِيْه. فَما ذَاكَ بِنَزِيْهٍ، وما هُو للنَّزاهَةِ بِطالِب. وكَفَى بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلمَ إِماماً ومُعَلِماً وقُدْوَة، قَالَتْ أُمُّ المؤْمِنِيْنَ صَفِيَّةُ رضي الله عنها: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُعْتَكِفًا، فَأَتَيْتُهُ أَزُورُهُ ليلاً، ثمَّ قُمْتُ لِأَنْقَلِبَ ــ أَيْ لأَرْجِعَ إِلى بِيْتِي ــ فقام معي لِيَقْلِبَنِي -أَيْ لِيُؤَانِسَنِي في مَسِيْرِي-، فَمَرَّ رَجُلاَنِ مِنَ الأَنْصَارِ، فَلَمَّا رَأَيَا رَسُوْلَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَسْرَعا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «عَلَى رِسْلِكُمَا ــ أَي تَمَهَلا لا تُسْرِعا ــ إِنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ ــ أَيْ إِنَّها زَوْجَتِي ــ» فَقَالا: سُبْحَانَ اللهِ يَا رَسُوْلَ اللهِ! ــ أَيْ سُبْحانَ اللهِ، وحَاشاكَ أَنْ تَكُونَ فِيْنا مَحَلَّ رِيْبَةٍ ــ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِن ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ، وَإِنِّيْ خَشِيتُ أن يَقْذِفَ في قُلُوبِكُمَا شَرًّا» متفق عليه وكذا الكَرِيْمُ نَزِيْهَ العِرْضِ والشَّرَفِ، يُقْصِيْ عَنْ نَفْسِهِ المَثالِبَ ويَدْفَعُ عَنْها السَّيءَ مِنَ الظُّنُون.   بارك الله لي ولكم..  


 

الحمدُ للهِ رَبِّ العَالمين، وأَشْهَدُ أَن لا إله إلا اللهُ ولي الصالحين، وأَشْهَدُ أَنَّ محمداً رسول رب العالمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، وسلم تسليماً.  أما بعد:  فاتقوا الله عباد الله لعلكم ترحمون

أَيُّهَا المُسْلِمُوْنَ: تَغِيْبُ الرَّوادِعُ فَلا يَبْقَى إِلا رَادِعُ التَقْوَى، ويَغِيْبُ الوُزَّاعُ فَلا يَبْقَى إِلا وَازِعُ الدِّيْن. فَمَنْ مَلَكَ زِمامَ نَفْسِهِ قَادَها إِلى مَنازِلِ الطُّهْرِ نَقِيَّة، ومَنْ أَهْمَلَها رَتَعَتْ في مَراعِيْ الحَرامِ شَقِيَّة.

وَمَا اخْتُبِرَتْ نَزَاهَةُ امْرِئٍ بِمِثْلِ اخْتِبَارِها أَمامَ المُغْرِياتِ، ومِنْ أَخْطَرِ تِلْكَ المُغْرِياتِ، الطَمَعُ بِنَيْلِ المَال. تَمِيْلُ النُّفُوسُ الضَّعِيْفَةُ إِليهِ، مُتَساهِلَةً بِأَخْذِهِ مِن طَرِيْقٍ الحَرام، مُسْتَهِيْنَةً بِأَمْرِ رَبِها، مُتَجَرِّدَةً مِنْ نَزاهَتِها وورَعِها وتَقواها، مُتَناسِيَةً السُّؤَالَ عَنْهُ يَومَ الحِساب «لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ َعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ» رواه الترمذي

(المَالُ الحَرامِ) سُحْتٌ ومَقْتٌ وَعَذَاب. مَنْ حَوى المالَ الحَرامَ إِليهِ، فإِنما يَحْوِيْ إِلى نَفْسِهِ أَسْبابَ الشَّقَاء.  (وِعاءُ المالِ الحَرامِ واحِدٌ) وكَسْبُهُ مِنْ طَرائِقَ مُخْتَلِفَة، فالتَّعامُلُ بالرِبا كَسْبٌ حَرام، والغِشُّ في التِجارَةِ كَسْبٌ حَرام، والسَّرِقَةُ والاخْتِلاسُ كَسْبٌ حَرام، وأَخْذُ أَموالِ النَّاسِ بِغَيْرِ حَقٍّ كَسْبٌ حَرام، ومَطْلُ الحُقوقِ والتَأَخُرُ في أَدائِها لأَهْلِها بِغِيْرِ عُذرٍ كَسْبٌ حَرام، وأَكْلُ مال اليَتِيْمِ كَسْبٌ حَرام. والحلالُ بَيِّنُ والحَرامُ بَيِّنٌ، ويَومُ الحِسابِ يَكُونُ الجَزاء. والنَّزِيْهُ مَنْ تَوَقَّى الشُّبُهاتِ، وحاذَرَ دُرُوبَها.

وكُلَّما كَانَ العَبْدُ أَتْقَى لِرَبِهِ، كَانَ أَنْقَى في تِجارتِهِ وكَسْبِه. فَلا يَرْضَى أَنْ يَنْمُوَ جَسَدَهُ مِنْ حَرامٍ. ولا أَنْ يَبْنِيَ بَيْتَهُ مِنْ حَرام، ولا أَنْ يُطْعِمَ أَهْلَهُ مِنْ حَرام.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟» رواه مسلم 

(والأَموالُ العامَةُ) هِيَ للمُسْلِمِيْنَ، فَمَنْ وَلِيَ شَيئاً مِنْها، فإِنهُ سَيُسْأَلُ أَمامَ اللهِ عَنْه. وهِيَ أَمُوالُ حُفِظَتْ بِشَريْعَةِ اللهِ، وحُمِيَتْ بِأَمانِ اللهِ، والوَعِيْدُ لِمَنْ اسْتَباحَ شَيئاً مِنْها، أَو صَرَفَهُ في غَيْرِ حِلِّه، أَو تَحايَلَ في الوُصُولِ إِلى شَيءٍ مِنْها، أَو صَيَّرَهُ إِلى مَصالحِهِ الخاصَّة.  فَذاكَ إِنَّما يَقْتَحِمُ الوَعِيْدَ عِنْوَةً، ويَخُوضُ المَخاطِرَ حَاسِراً.  قَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في أَصْحابِهِ يَوماً خَطِيْباً فَقَالَ: «إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ القِيَامَةِ» رواه البخاري

اللهم طَهّرْ قُلُوبنا، وأَصْلح أَعمالنا، وزَكِّ نُفُوسَنا، ونَور بصائِرَنا..

المرفقات

1764880674_النَزاهة 14 ـ 6 ـ 1447هـ.docx

المشاهدات 267 | التعليقات 0