النَّزَاهَةُ وَالأَمَانَةُ دَفَّتَا النَّجَاة.

أ.د عبدالله الطيار
1447/06/15 - 2025/12/06 10:07AM

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ الرَّحِيمِ التَّوَّابِ، أَمَرَ بالإصلاحِ وَوَعَدَ عليهِ بالثَّوَابِ، ونَهَى عَنِ الإِفْسَادِ وتَوَعَّدَ المفسدينَ بالعِقَابِ، وَأَشْهَدُ ألّا إِلَهَ إِلّا اللهُ، وحدهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أنّ محمدًا عبدهُ ورسولُه صلّى اللهُ عليهِ وعلى آلهِ وأصحابِهِ وسلّم تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدِّينِ، أمّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ: (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) البقرة: [194].

أيُّهَا المؤمنونَ: مِنْ أَهَمِّ الأخلاقِ الَّتِي حثَّتْ عليهَا الشَّرِيعَةُ الإسلامِيَّةُ، وندَبَتْ إلى لُزُومِهَا، والتَّحَلِّي بِهَا، النَّزَاهَةُ في المعاملاتِ، وحِفْظُ الأمَاناتِ، وإِبْرَاءُ الذِّمَّةِ، قالَ تعالَى: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) المؤمنون: [51] وقال ﷺ: (إنَّ الحَلالَ بَيِّنٌ، وإنَّ الحَرامَ بَيِّنٌ، وبيْنَهُما مُشْتَبِهاتٌ لا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النّاسِ، فَمَنِ اتَّقى الشُّبُهاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ، وعِرْضِهِ، ومَن وقَعَ في الشُّبُهاتِ وقَعَ في الحَرامِ، كالرّاعِي يَرْعى حَوْلَ الحِمى، يُوشِكُ أنْ يَرْتَعَ فِيهِ) أخرجه البخاري (52) ومسلم (1599).
عِبَادَ اللهِ: وَالْفَسَادُ آَفَةٌ خَطِيرةٌ، وَظَاهِرَةٌ مَقِيتَةٌ، وَدَاءٌ عُضَالٌ، إذَا اسْتَشْرَى فِي مجتمعٍ ضاعَ ميزانُ العدلِ فيهِ، وَتَسَلَّطَ الْقَوِيُّ على الضَّعِيفِ، واعْتَلى السُّفَهَاءُ مَرَاتِبَ العُقَلاءِ، فسُرِقَت الأموالُ، وضُيِّعتْ الأماناتُ، ونُهِبَتْ الخيراتُ والثَّرَوَاتُ، قَالَ َتعَالَى: (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا) الأعراف: [56] بَلْ جَعَلَ اللهُ عَزّ وَجَلَّ الإِفْسَادَ في الأَرْضِ دَليلاً عَلَى نقصِ الإيمانِ، وَفَسَادِ الْقَلْبِ، قَالَ سُبْحَانَهُ: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ) البقرة: [204-205].
أَيُّهَا المؤْمِنُونَ: وَالْفَسَادُ كَلِمَةُ السِّرِّ في هَلاكِ الأُمَمِ، ومِعْوَلُ هدمِ الدُّوَلِ، وقَرِينُ كلِّ شَرٍّ، وموجِبُ كُلِّ سُخْطٍ، قَالَ تعالَى:(ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ) الروم: [41]  ومَا انْتَشَرَ الْفَسَادُ في قَوْمٍ إلا عَمّهُمُ الْبَلاءُ، وأمَّهُمُ الْقَحْطُ والْجَفَاءُ، قَالَ ﷺ: (‌إِنَّمَا ‌أَهْلَكَ ‌الَّذِينَ قَبْلَكُمْ، أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الحَدَّ) أخرجه البخاري(3475).

عِبَادَ اللهِ: وَلِلْفَسَادِ مَرَاتِب، أَعْلاهَا الْفَسَادُ الْعَامُ الَّذِي يَتَعَدَّى ضَرَرُهُ، وَيَشِيعُ أَثَرُهُ وَمِنْ ذَلِكَ: التَّعَدِّي عَلَى المالِ الْعَامِ، واسْتِغْلالِ النُّفُوذِ وَالوَسَاطَةِ والرِّشْوَةِ، وغيرِهَا من الصُّورِ التي تُؤْذِنُ بِالْهَلاكِ، فالأموالُ العامَّةُ ليستْ مرتعًا لمن وقعتْ في يدِهِ، إنَّمَا هيَ أمانةٌ يجبُ حِفْظُهَا وإلا كانتْ وبالًا على صاحبِهَا في الدُّنيَا وموجِبًا لولوجِ النَّارِ يومَ القيامةِ قال ﷺ: (إنَّ رِجالًا يَتَخَوَّضُونَ في مالِ اللَّهِ بغيرِ حَقٍّ، فَلَهُمُ النّارُ يَومَ القِيامَةِ) أخرجه البخاري (3118)
عِبَادَ اللهِ: وَالتَّعَدِّي عَلَى الأَمْوَالِ الْعَامَّةِ، دَلِيلٌ عَلَى خَرْقٍ جَسِيمٍ في الْجَانِبِ الْعَقَدِيِّ وَانْعِدَامِ المرَاقَبَةِ للهِ عزّ وَجَلّ، وَضَعْفِ الْوَازعِ الدِّينِيّ، قَالَ ﷺ: (لَيَأْتِيَنَّ على النّاسِ زَمانٌ، لا يُبالِي المَرْءُ بما أخَذَ المالَ، أمِنْ حَلالٍ أمْ مِن حَرامٍ) أخرجه البخاري (2083)، فَتَجِد أَحَدَهُم لا يُبَالي مِنْ أَيْنَ أَتَتْهُ الدُّنْيَا، فَهُمْ في غَمْرَةٍ سَاهُونَ، وعَنْ أَكْلِ الْحَرَامِ لا يَتَوَرَّعُونَ. قَالَ ﷺ: (وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ، لا يَنَالُ أَحَدٌ مِنكُم منها شيئًا إلَّا جَاءَ به يَومَ القِيَامَةِ يَحْمِلُهُ علَى عُنُقِهِ بَعِيرٌ له رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةٌ لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةٌ تَيْعِرُ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حتَّى رَأَيْنَا عُفْرَتَيْ إبْطَيْهِ، ثُمَّ قالَ: اللَّهُمَّ، هلْ بَلَّغْتُ؟ مَرَّتَيْنِ) أخرجه البخاري (7174)، ومسلم (1832).

أعوذُ باللهِ من الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) المؤمنون: [51] باركَ اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيمِ، ونفعني وإيَّاكم بما فيهِ من الآياتِ والعظاتِ والذكْرِ الحكيمِ، فاستغفروا اللهَ إنَّه هو الغفورُ الرحيمُ.

الخطبة الثانية: الْحَمْدُ للهِ وَحْدَهُ، والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى مَنْ لا نَبِيَّ بَعْدَهُ، نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آَلِهِ وَصَحْبِهِ أمَّا بَعْدُ فاتقوا اللهَ عبادَ اللهِ واعلمُوا أنّ مُحَاربَةَ الْفَسَادِ والتَّصَدِّي لَهُ والإبلاغَ عن المفْسِدِينَ، واجِبٌ شَرْعِيٌّ يَحْتَاجُ لِتَضَافُرِ الْجُهُودِ مِنْ أَجْلِ تَقْوِيضِهِ وَإِضْعَافِهِ وَالتَّحْذِيرِ مِنْ مَغَبَّةِ وُجُودِهِ وَانْتِشَارِهِ، قَالَ تَعَالى: (فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُم) هود:[116].

أيُّهَا المؤمنونَ: إنَّ بلادَنا -حرسَهَا اللهُ- تُوَاجِهُ بكلِّ حزمٍ وشِدَّةٍ، وتضربُ بيدٍ مِنْ حديدٍ عَلَى أَيْدِي كلِّ المفسدينَ، ومن ثبتَتْ إِدَانتُهُمْ بِتُهَمِ الإفسادِ أو الرِّشْوَةِ أو إِهْدَارِ المالِ الْعَامِ، والواجبُ علينَا أنْ نكونَ عَوْنًا لبلادِنَا في هذا الشأنِ، بالإبلاغِ عن الفاسِدِينَ، وإِحْبَاطِ جَرَائِمِ المفْسِدينَ، أسألُ اللهَ عزّ وجلَّ أن يحفظَ علينَا نعمةَ الإيمانِ والصلاحِ وأن يجنِّبنَا مظاهرَ الفسادِ والإفسادِ، وأن يأخذَ بأيدينا إلى طريقِ الرشادِ والفلاحِ.
اللهم أعزّ الإسلامَ والمسلمينَ، وأذلَّ الشركَ والمشركينَ، وانصرْ عبادَكَ الموحِّدِينَ. اَللَّهُمَّ أمِّنا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحَ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللهم وَفِّق وَلِيَّ أمرنا خادم الحرمين الشريفين وولي عهده إِلَى مَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وخُذْ بِنَاصِيَتِهِما إِلَى اَلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ احْمِ حُدُودَنَا، واحفظ رجال أمننا، اللَّهُمَّ ارْحَمْ هذَا الْجَمْعَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ والمؤْمِنَاتِ، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِهِمْ، وآَمِنْ رَوْعَاتِهِمْ وارْفَعْ دَرَجَاتِهِمْ في الجناتِ واغْفِرْ لَهُمْ ولآبَائِهِمْ وَأُمَّهَاتِهِمْ، واجْمَعْنَا وإيَّاهُمْ ووالدِينَا وإِخْوَانَنَا وذُرِّيَّاتِنَا وَأَزْوَاجَنَا وجِيرَانَنَا ومشايخَنَا وَمَنْ لَهُ حَقٌّ عَلَيْنَا في جَنَّاتِ النَّعِيمِ. اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ محمد كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ علَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ محمد كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

الجمعة: 14/ 6 /1447هـ

المشاهدات 16 | التعليقات 0