النَّزَاهَةِ وَ الأَمَانَةِ وَمُحَارَبَةِ الفَسَادِ
محمد البدر
الْخُطْبَةُ الأُولَى:خُطْبَةٌ عَنْ:النَّزَاهَةِ وَ الأَمَانَةِ وَمُحَارَبَةِ الفَسَادِ 14- جمادي الأخرة 1447هـ
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ , وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾.﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾.﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا(70)يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾.
عِبَادَ اللَّهِ:قَالَ تَعَالَى:﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾إن منزلة الأمانة في الإسلام عظيمة وهي من أوصاف المؤمنين وميزان صلاح المجتمع، استدلالًا بِقَوله تَعَالَى:﴿وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ﴾وَقَال تَعَالَى:﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ عِبَادَهُ بِأَدَاءِ الأَمَانَةِ وَالمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا وَاجْتِنَابِ خِيَانَتِهَا، وَقَالَﷺ:«أَرْبَعٌ إِذَا كُنَّ فِيكَ فَلَا عَلَيْكَ مَا فَاتَكَ مِنَ الدُّنْيَا:حِفْظُ أَمَانَةٍ،وَصِدْقُ حَدِيثٍ،وَحُسْنُ خَلِيقَةٍ، وَعِفَّةٌ فِي طُعْمَةٍ»صَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.قَالَﷺ:«إِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ»قَالَ كَيْفَ إِضَاعَتُهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ«إِذَا أُسْنِدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ، فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ»رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.وَقَالَﷺ:«أَدِّ الْأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ،وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ»رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ.لِذَلِكَ فَخِيَانَةُ الأَمَانَةِ مِنْ أَمَارَاتِ النِّفَاقِ كَمَا قَالَﷺ:«آيَةُ المُنَافِقِ ثَلَاثٌ:إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ،وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ،وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ»مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
واحذروا ياعِبَادَ اللهِ من خطورة الفَسَادُ الإِدَارِيُّ وَالمَالِيُّ فَهُوَ مِنْ أَشَدِّ أَنْوَاعِ الفَسَادِ لِعُمُومِ ضَرَرِهِ، وَشِدَّةِ خَطَرِهِ،وَدِينُنَا الحَنِيفُ جَاءَ بِتَحْرِيمِ الفَسَادِ كُلِّهِ،فَنَهَى عَنِ الشِّرْكِ وَالبِدَعِ وَالمَعَاصِي،وَنَهَى عَنِ الخِيَانَةِ فِي العُقُودِ،وَنَهَى عَنِ الاعْتِدَاءِ عَلَى المَالِ العَامِّ وَالخَاصِّ،قَالَ تَعَالَى:﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا﴾.
عِبَادَ اللهِ:وَمِنْ أَنْوَاعِ الفَسَادِ الرِّشوةَ فَاعْلَمُوا أَن الإسلامُ حَرَّم الرِّشوةَ،وهي كُلُّ عَطِيَّةٍ أو هَدِيَّةٍ أو مالٍ يُدفعُ لِيُشْتَرى به ذِمَّةُ مَنْ له قُدْرَةٌ أو وَجَاهَةٌ أو منصبٌ،لِيُعينَ على عَمَلِ ما لا يَحِلّ،أو على تحقيقِ منفعةٍ لم يكُن لِيَبْلُغَها قَبْلَ غيرِه بالعدلِ لولا هذا المالُ والعَطِيَّة،وهذه الرشوةُ ولو كانت نزراً يسيراً،فإنها من كبائر الذنوبِ،وهي مِنْ أَكْلِ أَمْوالِ الناسِ بالباطل قَالَﷺ:«كُلُّ جَسَدٍ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ»صَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.وجاء اللعنُ والوعيد في السنة النبوية لأركانها الثلاثة؛الراشي والمرتشي والوسيط،وفي القرآنِ قَالَ تَعَالَى:﴿سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ﴾.قال العلماءُ:والسُّحتُ هِيَ الرِّشْوَةُ.قَالَﷺ«لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِﷺالرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.ولقولهﷺفِي حَدِيثِ خَوْلَةَ بِنْتِ قَيْسٍ الْأَنْصَارِيَّةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّﷺيَقُولُ:«إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللهِ بِغَيْرِ حَقٍّ لَهُمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَقَالَ شَيْخُ الإِسْلاَم ابْنُ تَيْمِيَةَ رَحِمَهُ اللهُ:فَإِذَا ارْتَشَى وَتَبَرْطَلَ عَلَى تَعْطِيلِ حَدٍّ ضَعُفَتْ نَفْسُهُ أَنْ يُقِيمَ حَدًّا آخَرَ،وَصَارَ مِنْ جِنْسِ الْيَهُودِ الْمَلْعُونِينَ،وَأَصْلُ الْبِرْطِيلِ هُوَ الْحَجَرُ الْمُسْتَطِيلُ،سُمِّيَتْ بِهِ الرِّشْوَةُ، لِأَنَّهَا تَلْقُمُ الْمُرْتَشِيَ عَنْ التَّكَلُّمِ بِالْحَقِّ كَمَا يُلْقِمُهُ الْحَجَرُ الطَّوِيلُ،كَمَا قَدْ جَاءَ فِي الْأَثَرِ:إذَا دَخَلَتْ الرِّشْوَةُ مِنْ الْبَابِ،خَرَجَتْ الْأَمَانَةُ من الكوة..إلخ
أَقُولُ مَا سَمِعْتُمْ،وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ؛إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْخُطبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ,وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا وَإِمَامِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُم بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
عِبَادَ اللهِ:وَمِنْ أَنْوَاعِ الفَسَادِ الاعتداء على المال العام لمصالحه الشخصية ومنها الَّذِي يَسْـتَخْدِمُ أَجْهِزَةَ العَمَلِ لأَغْرَاضِهِ الخَاصَّةِ،أَيْنَ هُوَ مِنْ تَعْظِيمِ الأَمَانَةِ،وَالتَّحْـذِيرِ مِنَ الخِيَانَةِ وَذَلِكَ الَّذِي يُجَامِلُ فِي إِرْسَاءِ المُنَاقَصَاتِ،وَتَوقِيعِ العَطَاءَاتِ،وَذَلِكَ الَّذِي لا يَسْعَى لِسَدَادِ مَا عَلَيْهِ مِنْ دُيُونٍ استَدَانَهَا مِنْ جِهَاتٍ مُمَوِّلَةٍ،وَمِنْ مَصَارِفَ مُقْرِضَةٍ،قَالَﷺ«مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ،وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلاَفَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ»رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.ومنها تَغْيِيرِهِ لِعَلامَاتِ الأَرْضِ،قَالَﷺ:«..لَعَنَ اللهُ مَنْ غَيَّرَ مَنَارَ الأَرْضِ»صَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ،وَقَالَﷺ:«مَنْ ظَلَمَ قِيدَ شِبْرٍ طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ»مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.ومنها الَّذِي لا يُبَالِي بِضَمِّ جُزْءٍ مِنْ أَرْضٍ قَدْ تَكُونُ مَوقُوفَةً لِمَسْجِدٍ أَوْ وَقْـفًا لِمَدْرَسَةٍ فَيَضُمُّهَا إِلَى أَرْضِهِ؛وَذَلِكَ القَائِمُ عَلَى الأَوقَافِ فَلا يَصْرِفُ مَا اجتَمَعَ لَهَا مِنْ أَمْوَالٍ فِي وُجُوهِهَا،قَال تَعَالَى:﴿فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾وَذَلِكَ الَّذِي يَتَحَايَلُ عَلَى عَدَّادَاتِ وَالمِيَاهِ وَالكَهْرَبَاءِ وغيرها فَيَسْعَى لإِيقَافِهَا أَوْ لِتَغْيِيرِ بَيَانَاتِهَا،قَالَﷺ:«مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا»رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
عِبَادَ اللهِ:قَالَ تَعَالَى:﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾فعلى المواطنين والمقيمين على حد سواء أن يتعاونوا في اجتثاث من هذا شأنهم بالإبلاغ عنهم الجهات المختصة لردعهم فهذا واجب شرعي ووطني يسهم في حماية المجتمع وصون الحقوق وردع المعتدين على المال العام ودفع الضرر عن البلاد والعباد. الاوَصَلُّوا عِبَادَ اللهِ عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ، وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ كَمَا أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد،وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ،وَعَنِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ،وَعَنِ التَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ،وَاحْفَظْ اللّهمّ ولاةَ أمورنا، وَأَيِّدْ بِالْحَقِّ إِمَامَنَا وَوَلِيَّ أَمْرِنَا،اللّهمّ وَهيِّئْ لَهُ الْبِطَانَةَ
الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَالَّتِي تَدُلُّهُ عَلَى الْخَيرِ وَتُعِينُهُ عَلَيْهِ ،واصرِفْ عَنه بِطانةَ السُّوءِ يَا رَبَّ العَالمينَ،وَاللّهمّ وَفِّقْ جَميعَ ولاةِ أَمرِ الْمُسْلِمِينَ لما تُحبهُ وَتَرضَاهُ لمَا فِيهِ صَلَاحُ الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ يَا ذَا الجَلَالِ والإِكْرَامِ ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾.
عِبَادَ اللَّهِ:فَاذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ،وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ
يَزِدْكُمْ ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾.
المرفقات
1764814288_النَّزَاهَةِ وَ الأَمَانَةِ وَمُحَارَبَةِ الفَسَادِ.pdf