(خطبة) الأمر بالنزاهة وحفظ المال العام

خالد الشايع
1447/06/14 - 2025/12/05 05:44AM

خُطْبَةٌ عَنِ النَّزَاهَةِ وَعَدَمِ إِفْسَادِ المَالِ وَالمُحَافَظَةِ عَلَى المَالِ العَامِّ وَالتَّبَلِيغِ عَنِ المُفْسِدِينَ  14 جماد الآخر 1447

 

الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ، أَمَرَنَا بِالأَمَانَةِ، وَحَذَّرَنَا مِنَ الخِيَانَةِ، وَجَعَلَ النَّزَاهَةَ سَبِيلًا لِرِفْعَةِ الأُمَمِ وَقُوَّةِ المُجْتَمَعَاتِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، القَائِلُ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، القُدْوَةُ فِي الطَّهَارَةِ وَالنَّزَاهَةِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

 

أَمَّا بَعْدُ؛ فَإِنَّ النَّزَاهَةَ لَيْسَتْ خَصْلَةً ثَانَوِيَّةً، بَلْ هِيَ عِمَادُ المُجْتَمَعِ الصَّالِحِ، وَأَسَاسُ نَهْضَةِ الوَطَنِ، وَسَبَبٌ فِي بَرَكَةِ الرِّزْقِ وَدَفْعِ الفَسَادِ.

 كم نحن في حاجة ماسة إلى النزاهة في حياتنا في كل محاورها .

والنَّزَاهَةُ فِي الشَّرْعِ هِيَ طَهَارَةُ الظَّاهِرِ وَالبَاطِنِ، وَهِيَ تَرْكُ الحَرَامِ جَهْرًا وَسِرًّا، وَهِيَ حِفْظُ الحُقُوقِ وَمَنْعُ الظُّلْمِ. قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾. و أخرج أحمد في مسنده من حديث أنس َقَالَ ﷺ: «لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ».

 

وليحذر المسلم من الاعتداء على المال العام أو السير خلف التأويل ، ولا يفت لنفسه ليأكل المال ، بل يسأل أهل العلم .

قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾. و فِي صحيح مسلم من حديث عدي بن عميرة قال صلى الله عليه وسلم : «مَنْ اسْتَعْمَلْنَاهُ عَلَى عَمَلٍ فَكَتَمَنَا مِخْيَطًا فَمَا فَوْقَهُ فَهُوَ غُلُولٌ». وَفِي الصحيح من حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي، فَقَالَ ﷺ: «أَفَلَا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَيَنْظُرَ أَيُهْدَى لَهُ أَمْ لَا؟».

 

المَالُ العَامُّ أَمَانَةٌ فِي أَعْنَاقِ المُجْتَمَعِ، وَالاعْتِدَاءُ عَلَيْهِ خِيَانَةٌ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ.

 

وللخيانة صور يجب الحذر منها :

١- الرِّشْوَةُ وَتَحْوِيرُ الحَقِّ إِلَى بَاطِلٍ.  

٢- التَّلَاعُبُ بِالعُقُودِ وَالمُنَاقَصَاتِ.  

٣- تَضْخِيمُ الفَوَاتِيرِ وَإِهْدَارُ المَالِ.  

٤- اسْتِغْلَالُ المَنْصِبِ لِمَنَافِعِ شَخْصِيَّةٍ.  

٥- سَرِقَةُ الوَقْتِ، فَبه يحصل المال ويضيع .

 

وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ﴾.

 

ولقد حكى الله لنا في كتابه صورا من النزاهة لنقتدي بهم

ففي قصة النبي يوسف عليه السلام ، قَدَّمَ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ الحِفْظَ عَلَى العِلْمِ فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾.

 

وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَقُولُ: «إِنَّمَا أَنَا خَازِنٌ لِمَالِ اللَّهِ».  

وَكَانَ عُمَرُ يُطْفِئُ سِرَاجَ بَيْتِ المَالِ إِذَا جَاءَتْهُ حَاجَةٌ خَاصَّةٌ.  

وَكَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِالعَزِيزِ يَغْسِلُ قَلَمَهُ بَعْدَ الكِتَابَةِ فِي شُؤُونِ الدَّوْلَةِ.  

وَقَالَ عَلِيٌّ: «هَذَا المَالُ لَيْسَ لِي وَلَا لَكَ، إِنَّمَا هُوَ فَيْءٌ لِلْمُسْلِمِينَ».

 

عباد الله : إن من محاربة الفساد والقضاء عليه ، الإبلاغ عن المختلسين والمفسدين للمال العام .

قَالَ تَعَالَى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾.  

وَقَالَ ﷺ: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ».  

وَالإِبْلَاغُ عَنِ المُفْسِدِينَ حِفَاظٌ لِلدِّينِ وَالوَطَنِ وَالأُمَّةِ.

 اللهم ارزقنا العفة والعفاف وتوفنا مسلمين أقول قولي هذا .....

الخطبة الثانية

أما بعد فيا أيها الناس :

لا يزال الحديث موصولا عن الأمانة وحفظ المال العام والخاص

ولقد كان السلف رحمهم الله من أورع الناس وأبعدهم عن الشبه فضلا عن الحرام .

قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: «مَنْ خَانَ فِي المَالِ خَانَ فِي الدِّينِ».  

وَقَالَ الفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ: «حُرْمَةُ مَالِ المُسْلِمِ أَعْظَمُ مِنْ حُرْمَةِ دَمِهِ».

 معاشر المسلمين : يا من استؤمنتم على أموال المسلمين ، اعلموا أنكم مسؤولون عن ذلك ، ستسألون عن الصغير قبل الكبير ، فاحفظوا الأمانة ، فإنها خزي وندامة يوم القيامة ، إلا من قام بها ، قال سبحانه ( إنا عرضن الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها ...) فلقد نآت بحملها السموات والأرض والجبال ، وحملتها أنت أيها المسكين ، ولتسألن عنها ، فإن نجحت في أدائها كانت سببا لدخولك الجنة وإن فشلت لفحتك النار والعياذ بالله .

معاشر المؤمنين: إن خير ما أنفقت فيه الأموال ، هو مرضاة الله ، فمن أراد أن يكون ماله معه في الآخرة فلينفقه الآن ، فمالك ماقدمت ، وما أخرت فهو للورثة .

ألا بذلت شيئًا من المال فيما يُقدِّمك إلى الآخرة، وفيما تكون به قدوة، أخرج مسلم في صحيحه من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إِذَا مَاتَ ابنُ آدم انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أو عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ.))، فإذا لم تُقدِّم صدقة، ولم تُخلف عِلمًا، ولم تَقُم بإصلاح الولد، بل ربما أَعَنته على اللهو والفساد، فماذا ترجو من مالك المكدَّس الذي سهرت عليه ليلك، وأمضيت فيه نهارك، وأتعبت فيه فِكْرَك وجسمك؟ فاتقِ الله تعالى يا أخي المسلم، واصرف مالك في وجوه الخير، واحمد الله تعالى على ما أنت فيه من نِعَم ، فاحرص على ترتيب أمور آخرتك فلن يرتبها إلا أنت ، وأنت في حياتك : ﴿ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا ﴾ [المزمل: 20].

اللهم وفقنا لهداك .........

اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنَ الأُمَنَاءِ، وَنَزِّهْ أَيْدِيْنَا وَقُلُوبَنَا عَنِ الخِيَانَةِ، وَاحْفَظْ بِلَادَنَا مِنْ كُلِّ فَسَادٍ،

اللهم أغثنا...

المرفقات

1764902677_خطبة عن النزاهة والحافظة على المال العام.docx

المشاهدات 294 | التعليقات 0