خطبة عاشوراء

الحمدُ للهِ نَصَرَ أَوْليَاءَهُ وعِبَادَهُ المؤمنين، وخَذَلَ أعدَاءَهُ مِن الكافرين، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شَرِيكَ له، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صلَّى اللهُ عليه، وعلى آلِهِ وأَصحَابِهِ وسلَّمَ تسليمًا كَثيرًا، أمَّا بَعْدُ:

أيُّها المؤمنون: قَدِمَ النَّبِيُّ ﷺ المدينَةَ، فإذَا اليهَوُدُ يَصُومُونَ يَوْمًا، فَسَأَلَهمُ عن صِيَامِ هذَاَ الْيَومِ؟ فَقَالُوا : إنَّهُ يومٌ نَجَّى اللهُ فيه مُوسَى، فنحنُ نَصُومُهُ شُكْرًا للهِ، فَمَا قِصَّةُ نَجَاةِ مُوسَى ؟ وَكَيْفَ نَجَى اللَّهُ مُوسَى مِن أَكْبَرِ طَاغِيَةٍ عَرَفَهُ التَّارِيخُ ؟.

لِنَنْقُلَكُم قَليلًا إلى قِصَّةِ فِرْعَوْنَ ومُوسَى عليه السلام ، وكيف نَجَا ؟ حِينَمَا انْتَصَرَ مُوسَى علَى السَّحَرَةِ، رَأَى فِرْعَوْنَ أَنَّ هَذَا يَهُزُّ قُوَّتَهُ وطُغْيَانَهُ فَاسْتَأْذَنَ بَنُو إسْرَائِيلَ في الْخُرُوجِ إلى عِيدٍ لَهم، فَأَذِنَ لَهُم فِرْعَوْنُ وَهُوَ كَارِهٌ، فَتَجَهَّزُوا وتَأَهَّبُوا لِذَلِكَ، وإنَّما كَانَ قَصْدُ بَنِي إِسْرَائِيلَ الْمَكِيدَةِ بفِرْعَوْنَ وَجُنُودِهِ ليتخلصوا مِنْهُ، ويَخْرُجُوا مِن طُغْيَانِهِ وجَبَرُوتِهِ.

وأَمَرَ اللهُ تعالى نَبِيَّهُ مُوسَى أَنْ يُخْرِجَ مَعَهُ بَنِي إسرَائِيلَ فَخَرَجُوا بِلَيْلٍ، فَسَارُوا مُسْتَمِرينَ ذَاهِبِينَ مِن فَوْرِهِم إلى بِلادِ الشَّامِ.

ولَمَّا عَلِمَ فِرْعَوْنُ بِذَهَابِهم حَنَقَ عَلَيْهِم كُلَّ الْحِنْقِ واشْتَدَّ غَضَبُهُ عَلَيْهِم، وشَرَعَ في اسْتِحْدَاثِ جَيْشِهِ وجَمَعَ جُنُودَهُ لِيَلْحَقُوا بِهم، ويَمْحَقُونَهُم ويَقْتُلُونَهُم ، (( وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ " فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنَ فِي الْمَدَائِن حَاشِرِينَ * إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةً قَلِيلُونَ " وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ )).

ولَمَّا رَكِبَ فِرْعَوْنُ فِي جُنُودِهِ طَالبًا بِنِي إسرَائِيلَ يَقُفُوا أَثْرَهُم، كَانَ جَيْشُ فِرْعَوْنَ جَيْشًا كَثِيفًا عَرَمْرَمًا، حتَّى قِيلَ كانَ في خُيُولِهِ مِائَةُ أَلْفِ فَحْلٍ أَدْهَمَ، وَكَانَ عِدَّةُ جُنُودِهِ تَزيدُ علَى أَلْفِ أَلْفٍ وَسِتُّمَائَةٍ.

أَدْرَكَ فِرْعَوْنُ بَنِي إسرَائِيلَ عِنْدَ شُرُوقِ الشَّمْسِ وَتَرَاءَى الْجَمْعَانِ، وَلَمْ يَبْقَ ثَمَّةَ رَيْبٌ ولا لَبْسٌ وعَايَنَ كُلُّ فَرِيقٍ صَاحِبَهُ، ولم يَبْقَ إِلا الْمُقَاتَلَةُ ، فاضْطَّرَّ الطَّرِيقُ مُوسَى إلى مَكَانٍ الْبَحْرُ أَمَامَهُ، والْجِبَالُ عن يَمِيِنِهِ وشِمَالِهِ، وفِرْعَوْنُ مِن خَلْفِهِ ، خَافَ بَنُو إسرَائِيلَ وحَلَّ بِهم الذُّعْرُ ورَجَفَتْ قُلُوبُهم، لِمَا قَاسُوا في سُلْطَانِ فِرْعَوْنَ من الإهانَةِ والمَكْرِ، فَشَكُوا إلى نَبِيَّ اللهِ مَا هُم فِيه، وقَد شَاهَدُوا فِرْعَوْنَ وعَايَنُوهُ حَقَّ الْمُعَايَنَةِ، وَقَالُوا إِنَّا لَمُدْرَكُونَ. فَقَالَ الْمُتَوَكِّلُ على رَبِّهِ مُوسَى عليه السلام : ﴿ كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِين )) ، ونَظَرَ إلى الْبَحْرِ فإذَا هُو يَتَلاطَمُ أَمْوَاجُهُ وَيَتَزَايَدُ زَبَدُ أُجَاجِهِ وهُو يَقُولُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: هَاهُنَا أُمِرْتُ ... هَاهُنا أُمِرْتُ، وَكَانَ معه مُؤْمِنُ آلِ فِرْعَوْنَ، وَكَانَ يَقْتَحِمُ بِفَرَسِهِ الْبَحْرَ مِرَارًا وَيَقُولُ لِمُوسَى: يَا نَبِيَّ اللهِ! هَاهُنَا أَمَرَكَ اللهُ؟ فَيَقُولُ: "نعم".

 

فَلَمَّا تَفَاقَمَ الأَمْرُ وظَنَّ أصْحَابُ مُوسَى أَنَّهُم مُدْرَكُونَ، وضَاقَ الْحَالُ واشْتَدَّ الأَمْرُ، واقْتَرَبَ فِرْعَوْنُ وجُنُودُهُ في جِدِّهِم وحَدِيدِهِمِ وغَضَبِهِم وحَنَقِهِم، وزَاغَتْ الأَبْصَارُ وبَلَغَتْ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ، وَظَنَّ بَنُو إسْرَائِيلَ أنَّهُم مُدْرَكُونَ ووَقَفُوا علَى أَعْصَابِهم وَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلى فِرْعَوْنَ يَقْتَرِبُ رُوَيْدًا رُوَيْدًا .... الْبَحْرُ أَمَامَهُم والْجِبَالُ عن يَمِينِهِم وشِمَالِهِم وهُم يَنظُرُونَ، وظنُّوا أنُّهم مُدْرَكُونَ فَوقَفُوا علَى أَعْصَابِهم.

عندَ ذَلِكَ أَوْحَى اللهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ الْقَدِيرُ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمُ إلى مُوسَى الْكَلِيمِ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ، فَلَمَّا ضَرَبَهُ قَالَ لَهُ: "انْفَلِقَ بإذْنِ اللهِ"، ويُقَالُ أنَّه كَنَّاهُ بَأَبِي خَالِدٍ، واللهُ أَعْلَمُ. (( فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فَرْقٍ كَالطَّودِ الْعَظِيمِ )).

وهَكَذَا كَانَ مَاءُ الْبَحْرِ قَائِمًا مِثْلَ الجبَالِ، مَكْفُوفًا بِالْقُدْرَةِ الْعَظِيمَةِ الصَّادِرَةِ مِن الَّذِي يَقُولُ لِلشَّيْءِ كُنْ فَيَكُونُ (( فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبْسًا لا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى )).

وَلَمَّا آلَ الْبَحْرُ إلى هَذِهِ الْحَالِ بإِذْنِ رَبَّنَا الْعَظِيمِ شَدِيدِ الْمِحَالِ، أَمَرَ مُوسَى قَوْمَهُ أنْ يُجَاوِزُوهُ فَانْحَدَرُوا مُسْرِعِينَ مُسْتَبْشِرِينَ مُبَادِرِينَ، وقَدْ شَاهَدُوا مِن الأَمْرِ الْعَظِيمِ مَا يُحَيرُ النَّاظِرينَ، ويَهْدِي قُلُوبَ الْمُؤْمِنِينَ.

فَلَمَّا جَاوَزُوهُ وخَرَجَ أخِرُهُم ودَخَلَ أَوَّلُ وَاحِدٍ مِن قَوْمٍ فِرْعَوْنَ وجُنُودِهِ، أَرَادَ مُوسَى أَنْ يَضْرِبَ بِعَصَاهُ الْبَحْرَ لِيُرْجِعَ كَمَا كَانَ عَلَيْهِ؛ لِئَلا يَكُونَ لِفِرْعَوْنَ وجُنُودِهِ وُصُولًا إليه ولا سَبِيلَ عليهِ، فَأَمَرَهُ اللهُ عزَّ وجلَّ أنْ يَتْرُكَ الْبَحْرَ علَى هَذِهِ الْحَالِ، كَمَا قالَ تَعَالى: ﴿ وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُندٌ مُغْرَقُونَ )) ، ومَعنَى: رَهْوًا، أَيْ: سَاكِنًا علَى هَيْئَتِهِ لا تُغَيِّرْهُ علَى هَذِهِ الصِّفَةِ.

فَلَمَّا رَأَى فِرْعَوْنُ هذِهِ الْحَالَةَ هَالَهُ هذَا الْمَنْظَرُ، وتَحَقَّقَ مَا كَانَ يَتَحَقَّقُهُ قَبْلَ ذَلِكَ أنَّ هذَا مِن فِعْلَ رَبِّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ، فَأَحْجَمَ ولَمْ يَتَقَدَّمْ ونَدِمَ على خُرُوجِهِ في طَلَبِهِم، ولَكِن لن يَنْفَعَه ذَاكَ النَّدَمُ.

ودَخَلَ في هذَا الْبَحْرِ، وهُو في طُغْيَانِهِ وجَبَرُوتِهِ، ثُمَّ قالَ في كُلِّ كِبْرِيَاءٍ وطُغْيَانِ "انظُرُوا كَيْفَ انْحَسَرَ الْبَحْرُ لي؛ لأُدْرِكَ عَبِيدِي الآبِقِينَ مِن بَيْنِ يَدَيْ الْخَارِجِينَ علَى طَاعَتِي"، ثُمَّ اسْتَمَرَّ وهُو مُتَرَدِّدٌ.

وذَكَرُوا أنَّ جِبْرِيلَ مَرَّ عَلَيْهِ وفِرْعَوْن لا يَمْلِكُ مِن نَفْسِهِ ضَرًّا ولا نَفْعًا، فَلَمَّا رَأَى جُنُودُ فِرْعَوْنَ أَنَّهُ قَدْ سَلَكَ الْبَحْرَ انْطَلَقُوا خَلْفَهُ مُسْرِعِينَ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا في الْبَحْرِ أَجْمعِينَ ولَمَّا هَمَّ أَوَّلُهُم أنْ يَخْرُجَ ودَخَلَ آخِرُهُم، أَمَرَ اللهُ عزَّ وجلَّ مُوسَى أنْ يَضْرِبَ بعصَاهُ الْبَحْرَ، فَضَرَبَهُ فَاْرْتَطَمَ عليهم الْبَحْرُ كَمَا كَانَ، فَلَمْ يَنْجُ مِنْهُم إِنْسَانٌ، قَالَ تَعَالَى: ((وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ )) ، أيْ: في إنْجَائِهِ لأَوْليَائِهِ آيَةٌ وعِظَةٌ لِمَنْ أِرَادَ أنْ يَتَّعِظَ (( وَجَاوَزَنْاَ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَاتَّبَعَهُمْ فِرْعَوْنَ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ )).

وَلَمَا غَرَقَ فِرْعَوْنُ وحَانَتْ سَاعَةُ الْمَوْتِ، قَالَ كَلِمَةً لَمْ تَنْفَعْهُ: "آمَنْتُ أَنَّهُ لا إلَهَ إلا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إسْرَائِيلُ"، فَحِينَئِذٍ لا يَنْفَعْهُ : كَمَا قالَ تَعَالى: (( آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ )).

واللهُ عزَّ وجلَّ أَغْرَقَ فَرِعَوْنَ، فَكانَ بَنُو إسْرَائِيلَ يَنظُرُونَ إِلَيْهِ وإلى جُنُودِهِ حَتَّى يَكُونَ أَقَرَّ لأَعْيُنِهم ، وأَشْفَى لِنُفُوسِهِمْ، فَلَمَّا عَايَنَ فِرْعَوْنُ الْهَلَكَةَ وبَاشَرَ سَكَرَاتِ الْمَوْتِ حِينَئِذٍ أَنَابَ وتَابَ، حَينَ لَا يُنفَعُ نَفْسًا إيمانُها، وهَكَذَا غَرَقَ فِرْعَوْنُ ومَاتَ فَأَنْجَاهُ اللَّهُ بِبَدَنِهِ لِيَتَحَقَّقَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ مَوْتُهُ ، وليَكُونَ لِمَنْ خَلْفَهُ عِبْرَةً وَآيَةً .

رَوَى الإمَامُ أَحْمَدُ في حَدِيثٍ حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ: "أنَّ جِبْرِيلَ عليه السلام قَالَ لِلنَّبِيِّ ﷺ: يا مُحَمَّدُ لَوْ رَأَيْتَنِي وقَدْ أَخَذْتُ حَالًا من حالِ البحر، (أَيْ: طِينًا مِن البَحْرِ) فَدَسَيْتُهُ في فِيهِ مَخَافَةَ أَنْ تَنَالَهُ الرَّحْمَةُ" .

وبذَلِكَ انْتَهَتْ قِصَّةُ أَعْظَمِ طَاغِيَةٍ مَرَّ عَلَى التَّاْرِيخِ وبِهَلاكِهِ عِبْرَةٌ وعِظَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ.

ثُمَّ النَّبِيُّ ﷺ لَمَّا رَأَى الْيَهُودَ يَصُومُونَ هَذَا الْيَوْمَ شُكْرًا لِلَّهِ، قَالَ: "نَحْنُ أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُم"، وصَامَهُ ﷺ وأَمَرَ بِصِيَامِهِ ، وأَخْبَرَ ، أن مَن صَامَ هذَا الْيَوْمَ يَوْم عَاشُورَاءَ، "أنَّهُ يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِية" كما ورد في الحديث .

عِبَادَ اللهِ: وفي قِصَّةِ هَلَاكِ فِرْعَوْنَ، دُرُوسٌ وَعِبَرٌ :

أنَّ الطَّاغِيَةَ مَهْمَا بَلَغَ مِن التَّكَبُّر والطَّغْيَانِ، فَإِنَّ نِهَايَتَهُ إِلَى الْمَوْتِ وبِئْسَ الْعَاقِبَةِ

ولِذَلِكَ يَا عِبَادَ اللهِ: اللهُ عزَّ وجلَّ أَهْلَكَ فِرْعَوْنَ الطَّاغِيَةَ، بِمَا افْتَخَرَ بِهِ ؛ افْتَخَرَ بِالأَنْهَارِ وقَالَ: ﴿وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أفلا تبْصِرُونَ ))، فَأَغْرَقَهُ اللهُ عزَّ وجلَّ بِالْمَاءِ.

أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ واَسْتَغْفِرُ اللهَ لي ولَكُم، فَاسْتَغْفِرُوهُ إنَّهُ كَانَ غَفَّارًا.

الخطبة الثانية:

الْحَمْدُ للهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى. وَأَشْهَدُ أن لا إلَهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وأَشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ ورَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عليهِ، وعلَى آلِهِ وأَصْحَابِهِ وسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا، أَمَّا بَعْدُ:

(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أعمالكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عظِيمًا )) .

ومَنِ الدُّرُوسِ والْعِبَرِ يا عباد الله : أنَّ اللَّهَ يَنْصُرُ أَوْلِيَاءَهُ، وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعدُّونَ، فَاللهُ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى نَاصِرٌ أَوْليَاءَهُ لَكِنَّهُ لا بُدَّ مِن الامْتِحَانِ والاخْتِبَارِ ((وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ )).

وفي قِصَّةِ فِرْعَوْنَ أنَّ مَن تَوَكَّلَ عَلَى اللهِ عَزَّ وجَلَّ حَقَّ التَّوَكُّلِ كَفَاهُ، فَإنَّ مُوسَى عليه السلام لا يُقَارَنُ بِقُوَّةِ فِرْعَوْنَ، ومَع ذَلِكَ قالَ: (( قَالَ كَلاَّ إنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ))، فَغَيَّرَ اللهُ عزَّ وجَلَّ السُّنَنَ الْكَوْنِيَّةَ، نَحْنُ نَعْلَمُ أنَّ الْبَحْرَ يُغْرِقُ لَكِنَّ اللهَ عزَّ وجَلَّ جَعَلَ الْبَحْرَ طَرِيقًا لِمُوسَى عليه السلام لَمَّا تَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.

نَبِيُّنَا إِبْرَاهِيمُ عليه السلام لَمَّا قُذِفَ في النَّارِ، وأَنْتُم تَعْلَمُونَ أنَّ النَّارَ تَحْرِقُ لَمَّا صَدَقَ وتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ قَالَ اللهُ عزَّ وجلَّ: ﴿ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ ) ، فإِبْرَاهِيمُ أبو الأَنْبِيَاءِ نَجَّاهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَمَّا تَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ التَّوَكُل.

فَتَوَكَّلُوا علَى اللهِ عَزَّ وجلَّ، واعْلَمُوا أَنَّ النَّصْرَ والْفَرَجَ قَرِيبٌ.

ثُمَّ اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ أَمَرَكُم بِأَمْرِ بَدَأَ بِه بِنَفْسِهِ وثَنَّى بِمَلائِكَتِهِ، وثَلَّثَ بِكُم أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ (( إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا )).

اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ علَى عَبْدِك وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عنْ الْخُلَفَاءِ الأَرْبَعَةِ أبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وعُمَرَ الْفَارُوقَ وَعُثْمَانَ ذِي النُّورَينِ وعَلِيِّ أبِي السِّبْطَيْنِ، اللَّهُمَّ ارْضَ عَنْهُم وعَن سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ وعَنَّا مَعَهُم بِفَضْلِك وإحْسَانِكَ وَجُودِكَ يَا رَبُّ الْعَالَمِينَ.

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ أنْ تَتَقبَّلَ مِنَّا، وَأَنْ تَغْفِرَ لَنَا ذُنُوبَنَا أَجْمَعِينَ. اللَّهُمَّ يَا ذَا الْجَلالِ والإكْرَامِ كَمَا نَصَرْتَ نَبِيَّكَ مُوسَى علَى فِرْعَوْنَ، اللَّهُمَّ انْصُرْ أَوْلِيَاءَكَ يَا ذَا الْجَلالِ والإكرَامِ في كُلِّ مَكَانٍ.

اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَليَ أَمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وتَرْضَى، وخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ والتَّقْوىَ، وأَعِنْهُ علَى أُمُورِ دِينِهِ ودُنْيَاهُ يَا رَبَّ الْعَالِمِينَ، اللَّهُمَّ وَفَقَهُ وَإِخْوَانَهُ وأَعْوَانَهُ وَوُزَرَاءَهُ إلى مَا فِيهِ عِزِّ الإسْلامِ وصَلاحِ الْمُسْلِمِينَ. اللَّهُمَّ اجْعَلُ وِلايتنَا فِيمَنْ خَافَكَ واتَّقَاكَ واتَّبَعَ رِضَاكَ يَا ذَا الْجَلالِ والإكْرَامِ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ، يَا أَكْرَمَ الأكْرَمِينَ.

اللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُكَ يا ذَا الْجَلالِ والإكْرَامِ الْفِرْدَوْسَ الأَعْلَى مِن الجنَّة، وأنْ تَعْتِقَ رِقَابَنَا مِن النَّارِ وأنْ تَخْتِمَ لنَا بِخَيْرٍ.

(( رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنِ )) . اللَّهُمَّ أَصْلِحْ أَوْلادَنَا واجْعَلْهُم مِن بَعْدِنَا خَلْفًا صَالِحًا يَا ذا الْجَلالِ والإكْرَامِ، واغْفِرْ لآبَائِنَا وأُمَّهَاتِنَا، واجْمَعْنَا بِهم في دَارِ كَرَامَتِكَ يَا ذا الْجَلالِ والإكرَامِ .

(( رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ )) ، وصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ .

عِبادَ اللهِ: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ )) فاذْكُرُوا اللهَ الْجَلِيلَ يَذْكُرْكُم، واشْكُرُوهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ واللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ..

المرفقات

1764767915_خطبة عاشوراء.docx

1764767929_خطبة عاشوراء.pdf

المشاهدات 41 | التعليقات 0