رسالة إلى يائس
د.عبدالحميد المحيمد
إن الحمد للّه، نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ باللّه من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده اللّه فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد ألا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله اللَّهم صلَّ على محمدٍ وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم ، في العالمين إنك حميدٌ مجيد، اللَّهم بارك على محمدٍ وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم ، في العالمين إنك حميدٌ مجيد .
عباد اللّه ، أوصيكم ونفسي بتقوى اللّه.
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ )
قبل مُدّةٍ من الزمن أرسل إليّ أحدهم قائلًا: ما حكمُ الانتحار؟ فتلطَّفتُ إليه حتى أفهم السبب، فوجدتُه قد وصل إلى مرحلة اليأس، والمؤمنُ لا ييأس مهما مرّت به من صعوبات. فكانت نصيحتي وكلمتي رسالةً إلى يائس: لا تيأس، فإن في العمر بقية، لا تيأس فإن في الحياة مُتَّسَعًا، لا تيأسنَّ فإن الفارجَ اللَّه.
فإن كان يأسُك بسبب تأخر الدعاء فاعلم أن الدعاء لا يضيع، واعلم أن اللَّه تعالى استجاب لموسى بعدما دعا على فرعون؛ يقول أهلُ التفسير إن الإجابة كانت بعد أربعين سنة. فهناك بين الدعاء وبين الاستجابة محطاتٌ كمحطات القطار، فإذا وصلتَ إلى المحطة وجدتَ الإجابة.
هناك تمحيص، وهناك ابتلاء، وهناك اختبار، وهناك إجابة قد أتتك وأنت غافل عنها.
أنت دعوتَ اللَّه أن يزيد في رزقك، وأن يُزاد في راتبك، فأعطاك اللَّه الصحةَ فلا تحتاج إلى الطبيب إلا نادرًا، وأعطاك الولد الصالح الذي يبرّ بك ويوصل إليك ما تحتاج إليه، فلا تحتاج راتبًا كثيرًا. وأعطاك اللَّه راحة البال.
فإذن إجابة الدعاء قد تكون بركةً في الرزق، وقد تكون زوجةً صالحة، وقد يكون المسكنَ الذي تجد فيه الطمأنينة. فلا تقل: دعوتُ فلم يُستجَب لي.
وأيضًا إذا شكوتَ من قلة الولد، أحدهم يقول: دعوتُ لسنوات وما رُزِقتُ ولدًا، نقول له: لا تيأس.
وزكريا كان رجلًا كبيرًا في السن ماذا قال لربه:
( رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ )
[ الأنبياء : 89 ]
فكانت الإجابة : ( فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ )
[ الأنبياء : 90 ]
إذا كنتَ تشكو من المرض، ألمٌ أصابك، ألمٌ طويلُ المدى، وكلُّ العلاجات لا تنفع معك، نقول لك: لا تيأس، وتذكّر أن اللَّه شفى أيّوب وأخرجه من كربه، وأخرجه من محنته.
( وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ ۖ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ )
[ الأنبياء : 83 - 84 ]
عادت إليه الحياةُ بأمرٍ من اللَّه، وعادت الصحةُ إلى بدنه، وعاد إليه أهله، وآتاه اللَّه ضِعفَ ما فقد من الولد.
وإذا شكوتَ من ظُلمة الدنيا وضيق الحال، فتذكّر أن يونس عليه السلام، وهو نبيٌّ، والأنبياء جميعهم مكرّمون عند اللَّه، ومع ذلك طال بهم البلاء.
( وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ )
[ الأنبياء : 87 ]
نادَى بهذا الدعاء: «لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ»
فكانت الإجابة: ( فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ۚ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ )
[ الأنبياء : 88 ]
كلُّ مؤمنٍ يدعو بهذه الدعوة فله بشارةٌ بأن اللَّه يستجيب له، ولكن يدعو بقلبٍ ويقين، كما كان حالُ يونس عليه السلام في الظلمات: ظلمةِ الليل، وظلمةِ البحر، وظلمةِ بطن الحوت؛ ثلاثُ ظلماتٍ أحاطت به.
فما يئس، ولكن التجأ إلى اللَّه فنجّاه اللَّه.
لا تستعجِل؛ إنّ اللَّه عزّ وجلّ يبتليك.
ومن ظنّ أن النصيحة والدعوة إلى اللَّه توقّفت، فليتذكّر نبيَّنا محمدًا صلى اللَّه عليه وسلم: كيف كان يقول: «زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي، فَدَثَّرُونِي».
بدأ الدين برجلٍ وحيدٍ، ثم آمنت به خديجة رضي الله عنها.
ثم اثنان، ثم ثلاثة، ثم أربعة.
وعندما توفي النبيّ عليه الصلاة والسلام كانت آلافٌ مؤلَّفة فوق الأرض:
( وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا ) .. [ النصر : 2 ]
ما قُبِض النبي عليه الصلاة والسلام حتى رأى هذه الأفواج يستبقون فيبايعونه صلى اللَّه عليه وسلم. فلمّا اطمأن إلى هذه الحال عَرَفَ أن الدعوة وصلت، وأن النصيحة وصلت. وليس هذا فحسب، بل هؤلاء الآلاف كلُّ واحدٍ منهم سيكون داعيًا يبلّغ هذا الدين.
يقول النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم: «بلِّغوا عنِّي ولو آيةً ».
وترون اليوم الإسلام يجتاح الأرض من أقصاها إلى أقصاها، وكلما حورب قوي؛ لأن اللَّه عز وجل ارتضاه لأهل الأرض، لأنه خاتم لكل الرسالات والشرائع.
فإذن، لا تيأس فإن اللَّه يفرّج عنك.
مرَّ إبراهيم بن أدهم رحمه اللَّه برجلٍ مهمومٍ يائس ، قال له: أيها الرجل إنيأسألك عن ثلاث تجيبني قال الرجل: نعم .
فقال له إبراهيم بن أدهم: أيجري في هذا الكون شئ لا يريده اللَّه؟ قال: كلا.
قال إبراهيم: أفينقص من رزقك شئ قدره اللَّه لك؟ قال: لا.
قال إبراهيم: أفينقص من أجلك لحظة كتبها اللَّه في الحياة؟ قال: كلا.
فقال له إبراهيم بن أدهم: فعلام الهم إذن؟!
علامَ الهموم يا أخي المسلم؟ سلّمْها للَّه، وأبشِرْ بالخير.
فنسألُ اللَّه أن يفرّج كروبنا وكروب المسلمين، وأن يرفع عنّا الضرّ، إنه على كل شيء قدير.
أقول ما تسمعون، وأستغفرُ اللَّه.
الخطبة الثانية
الحمد للَّه، والصلاة والسلام على رسول اللَّه، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
طالبٌ في المدرسةِ قرأ الدرسَ الأوّل فقط، فلم يأتِه منه أيُّ سؤال، فإذا به يرسب في الاختبارات، ثم يغضب ويشرع في سبّ المدرسة والإدارة، حتى راجع نفسه، فقيل له: لقد قرأتَ درسًا واحدًا فقط! هل أخذتَ بالأسباب؟ فقال: لا، لم آخذْ؛ إذ توقّعتُ أن يأتي السؤال من الدرس الأول وحده، ثم تركتُ بقيّة الكتاب. فنقول له: أنت المقصِّر.
وحالك كحالِ رجلٍ دعا مرةً واحدة، ثم قال: دعوتُ فلم يُستجَب لي.
والنبيُّ عليه الصلاة والسلام يأمرنا بالأخذ بالأسباب، والمداومة على الدعاء والتكرار، ويقول النبيّ صلى اللَّه عليه وسلم
”يُسْتَجابُ لأحَدِكُمْ ما لَمْ يَعْجَلْ، يقولُ: دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي “
لا تستعجلوا النتائج، وخذوا بالأسباب، وتوكّلوا على اللَّه عز وجل، وأبشروا بالخير.
اللَّهم اغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، وكفّر سيّئاتنا، وأحسن ختامنا.
اللَّهم فرّج عنّا وعن المكروبين.
اللَّهم اسقِنا الغيثَ ولا تجعلنا من القانطين، اللَّهم اسقِنا الغيثَ ولا تجعلنا من القانطين، اللَّهم اسقِنا الغيثَ ولا تجعلنا من القانطين .
اللَّهم أغثِ البلاد والعباد، اللَّهم أغثِ البلاد والعباد، اللَّهم أغثِ البلاد والعباد.
اللَّهم سقيا رحمةٍ لا سقيا عذاب، تُحيي بها الزرع، وتُدرّ بها الضرع، برحمتك يا رحمن يا رحيم.
اللَّهم إنَّ فينا شيوخًا رُكع، اللَّهم إنَّ عندنا أطفالًا رُضَع، اللَّهم إنَّ عندنا بهائمَ رُتَع، فاغثنا يا رحمن يا رحيم.
وصلى اللَّه على نبينا محمد.
المرفقات
1764352966_مستند بلا عنوان.docx