التحذير من المبالغة في تكاليف الزواج

خالد خضران الدلبحي العتيبي

2025-12-17 - 1447/06/26
التصنيفات الفرعية: المنهيات
عناصر الخطبة
1/من مقاصد الزواج 2/من أسباب عزوف الشباب عن الزواج 3/ذم المبالغة في تكاليف الزواج وصور منه

اقتباس

إذا كان الزوج مناسباً للبنت، فهذه أعظم هدية تقدمها لبنتك، فلماذا تحمله الديون الكثيرة؟ ولماذا تنفره عن الزواج ببنتك؟ هل تريد أن تُعنس بناتك عندك؟ وإذا كان الزوج ليس أهلاً، فإن هذا المهر المرتفع إذا أردت أن تخلص ابنتك منه، بسبب سوء معاملته...

الخُطْبَةُ الأُولَى:      

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:

 

عباد الله: لقد شرع الله -عز وجل- الزواج لحكمٍ وغايات عظيمة، فمن ذلك: أن الزواج هو الوسيلة الصحيحة للتناسل وبقاء الجنس البشري، ومن الحكم: أنه السبيل لتكثير هذه الأمة، جاء في سنن أبي داود من حديث أنس بن مالك، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "تزوجوا الودود الولود؛ فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة".

 

ومن الحكم: أن الزواج يلبي حاجة الإنسان الغريزية، وهو الطريق الأمثل لغض البصر وحفظ الفرج، جاء في حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "يا معشر الشباب، من استطاع الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء"، والباءة: هي تكاليف الزواج.

 

والزواج -عباد الله- هو الوسيلة الصحيحة إلى تكوين الأسرة المترابطة، وهو سببٌ لاستقرار النفس وطمأنينتها، واستقرار الأسرة وثباتها، ومن ثَمَّ استقرار المجتمع وسعادته، قال -تعالى-: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[الروم: 21].

 

ومع عظم شأن الزواج وأهميته والمصالح العظيمة المترتبةُ عليه، عزف عنه كثيرٌ من الشباب والفتيات، فأصبح الشاب يصل عمره الثلاثين ولم يتزوج، وكذلك الفتاة، وهذا له أسبابٌ كثيرة، ولكن سأذكرٌ سبباً واحداً وهو المبالغة في تكاليف الزواج.

 

فمن الأشياء التي تقع فيها المبالغة المهور، حيث وصلت المهور عند بعض الأسر إلى مائة ألف ريال أو قريباً من ذلك، وربما كان هذا الشاب المتقدم لا يجد هذا المبلغ، ولا يجد حتى من يسلفه هذا المبلغ؛ فيترك الزواج من هذه المرأة، أو ربما تزوجها وتأخر في دفع المهر الشهور الكثيرة؛ لعجزه عن المهر، فتذهب الزوجة وترفع عليه قضية فسخ؛ لعجزه عن دفع المهر، وربما ذهب وتحمل الديون الكثيرة بسبب هذا المهر، فيعيش هو وإياها في مشاكلَ كثيرة؛ بسبب أن حياتهم الزوجية بدأت بهذه الديون الكثيرة!.

 

وهذا -والله- من قلة التوفيق لهذه الفتاة وأهلها، الذين طالبوا بهذا المهر المرتفع، فما الفائدة التي حصلتها هذه البنت؟.

 

نصيحتي لك -أيها الولي- إذا كان الزوج مناسباً للبنت، فهذه أعظم هدية تقدمها لبنتك، فلماذا تحمله الديون الكثيرة؟ ولماذا تنفره عن الزواج ببنتك؟ هل تريد أن تُعنس بناتك عندك؟ وإذا كان الزوج ليس أهلاً، فإن هذا المهر المرتفع إذا أردت أن تخلص ابنتك منه، بسبب سوء معاملته، لن تستطيع دفع المهر ورده إليه؛ فتبقى هذه الزوجة معلقة؟.

 

وعليك -أيها الولي- إذا طلبت البنت مهراً عالياً هي وأمها أن لا تقف موقف المستسلم، بل ينبغي عليك أن تقنعهم وتراجعهم حتى يخفضوا المهر، فأنت أعرف بمصلحة ابنتك؛ فأنت الولي.

 

ومن نظر في سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- وجد الخير العظيم والبركة في تيسير المهور، ففي حديث عقبةَ بنِ عامر -رضي الله عنه-، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "خيرُ الصداق -أي: المهر- أيسره"(أخرجه أبو داود).

 

وبعض الأسر تتنافس مع غيرها في رفع المهور، فنسمع الأم تقول: هي ليست أقل من فلانة وفلانة، وللأسف تُنشر الصور والمقاطع عن طريق الجوالات تفاخراً في كثرة المهر، وما يصحبه من هدايا، جاء في سنن أبي داود: خطبنا عمر -رضي الله عنه- فقال: "ألا لا تغالوا بصُدُقِ النساء -أي: مهورهن-؛ فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا، أو تقوى عند الله، لكان أولاكم بها النبي -صلى الله عليه وسلم-، ما أصدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- امرأة من نسائه، ولا أُصدقت امرأة من بناته، أكثر من ثنتي عشر أوقية"،  ثنتي عشرة أوقية، أي: ما يقارب 500 درهم من الفضة، وكانت الفضة في زمانهم رخيصة جداً.

 

أسأل الله -سبحانه وتعالى- أو يوفقنا للزوم السنة، وألا يجعلنا من المسرفين المبذرين، وأن يوفق أولادنا للزواج وتكوينِ الأسرةِ الصالحة.

 

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

 

أما بعد: ومن الأمور التي تحدث فيها مبالغة كبيرة ولم تكن موجودة، ما يُسمى بالشبكة، وهي هدية يأتي بها الزوج بعد عقد النكاح من ذهب وطيب وربما جوال، وربما كلفت العشرين ألف ريال، وتقام حفلة تصنعها أم العروس في أحد القاعات وعشاء، وربما مطربة للحفلة، وتكلف ربما العشرين ألف ريال!.

 

وهذه عادة سيئة، كان الناس فيما مضى الأب يصنع طعاماً عشاء أو غداء لزوج ابنته وجماعته القريبة؛ إكراماً لهم، وينصرفون إلى وقت الزواج، وليس هناك كلفات.

 

فنصيحتي ألا نتقيد بهذه العادة الشبكة وما يصبحها من إسراف، تأخذ المرأة مهرها وليس هناك شبكة ولا حفلة؛ لأن هذا يكلف، حتى لو كان الزوج غنياً؛ فإنه سيفتح باباً على غيره من الناس، ويقتدون به في أمرٍ المصلحة أن يزول من المجتمع.

 

وهناك مبالغة في أمور أخرى تتعلق بتكاليف الزواج، من تجهيز قاعة الاحتفالات خاصة عند النساء، بأنواع الورد والعصيرات الطازجة والحلويات، واستئجار المطربات.

 

فعلينا أن نقتصد -عبادَ الله- في تكاليف الزواج، وقد رأيت أسراً غنية جداً في بعض مناطق بلادنا الحبيبة، ليس عندهم هذا الإسراف والتبذير والتفاخر مع قدرتهم على ذلك، وهذا من توفيق الله لهم؛ فالله لا يحب المسرفين.

 

اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم إنَّا نسألك لإخواننا المسلمين في كل مكان فرجاً قريباً، اللهم عليك بأعداء هذا الدين إنك أنت القوي العزيز.

 

عباد الله: صلوا على من أمرك الله بالصلاة عليه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56]، اللهم صل على محمد، اللهم ارضَ عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن الصحابة أجمعين.

 

عبادَ الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النحل: 90]، فأذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

 

 

المرفقات
storage
storage
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life