عناصر الخطبة
1/التحذير من الفتنة بالأموال والأولاد 2/توضيح حقيقة الفتنة بالأولاد والأهل 3/نصائح للنجاة من فتنة الأموال والأولاد 4/أمثلة واقعية من فتنة الأولاد 5/نصائح للأسر المقدسية 6/الوصية بالمسجد الأقصىاقتباس
إِنْ أطعتَ زوجتَكَ في قطعِ أرحامِكَ -قطعتَ أمَّكَ وأختَكَ وأخاكَ وغيرَهم وتركتَ صِلَتَهم إرضاءً لها-؛ وإن أعطَيتَ زوجتَكَ أُذُنَكَ فسمِعتَ منها مقالةَ السُّوءِ، فعاديتَ أهلَكَ وجيرانَكَ وأصدقاءَكَ بسبب وسوَسَتها لكَ بالشر؛ فاعلم أن زوجتَك عدوَّةٌ لكَ...
الخطبة الأولى:
الحمد لله؛ حذَّرَنا فقالَ لنا: (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ)[التَّغَابُنِ: 15].
فيا عبادَ اللهِ: لا تجعلُوا أولادَكم وزوجاتِكم يأكلُون أموالَكم في الدنيا، ويأكلُون حسناتِكم في الآخرة؛ فلا تُطيعُوهم في معصيةِ الله؛ فَهُمُ ابتِلاءٌ من الله لكم واختِبار.
وأشهد أَنْ لَا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له؛ أمرَنا أن نسمعَ ما يعِظُنا به، وأن نُطيعَه فيما يأمرُنا وينهانا عنه، فقال -سبحانه-: (وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا)[التَّغَابُنِ: 16]. فَسَمْعًا لَكَ يَا رَبَّنَا سَمْعًا سَمْعًا، وَطَاعَةً لَكَ يَا رَبَّنَا طَاعَةً طَاعَةً.
وأشهد أن سيِّدَنا محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه؛ أرشَدَنا إلى مُخالَفةِ الشيطانِ. فقال: "إنَّ الشيطان قَعَدَ لابنِ آدمَ في طريقِ الإيمان، فقال له: أتُؤمن وتذرُ دينَكَ ودينَ آبائِكَ؟ فخالَفَه وآمن"(رواه النَّسائيُّ، وأحمد)، والشيطان يقعُدُ لأحدِكم -يا مُسلمون- بوجهَين: الأول يُوسوِسُ لكم بتركِ الطاعات وفعلِ المعاصِي، والثاني يحمِلُكم على طاعة الزوجات والأولاد في معصية الله؛ ويدفعُكم إلى تركِ ما أمرَكم اللهُ به مِنَ الطاعاتِ، ابتِغاءَ مرضاة الأولاد والبنات والزوجات". وأنتُم تعلمون أنَّه لا طاعةَ لمخلوقٍ في معصية الله؛ فاللهمَّ اجعَلْ همَّنا طاعتَكَ ورِضاكَ، اللهمَّ قلِّبْ قلوبَنا على ما تحبُّ وترضَى.
اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك على حبيبِنا محمدٍ، وصلِّ اللهمَّ على آلِه الطاهرينَ، وعلى أصحابِه الذين نصرُوا الدينَ، وعلى مَنْ تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم القيامة.
أما بعدُ؛ أيها المُؤمنون: السُّوس إذا نَخَرَ في ساقِ الشجرةِ أهلَكَها وأماتَها؛ والزوجة والزوج والولد والبنت كلُّهم سُوسُ طاعاتِكم لربِّكم إن أطعتُمُوهُم في معصية الله؛ ولهذا جاءَ التحذيرُ الصريحُ مِنَ اللهِ لكم منهم، فقال -سبحانه-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ)[التَّغَابُنِ: 14].
أيُّها المُسلمون: وسببُ نُزول هذه الآيةِ الكريمةِ أنَّ رجالًا أَسلَمُوا من أهل مكة، وأرادُوا أن يأتُوا النبيَّ -صلى الله عليه وسلم-؛ فأبَى أزواجُهم وأولادُهم أن يَدَعُوهم أن يأتُوا النبيَّ -صلى الله عليه وسلم-. فلما أتَوُا النبيَّ ورأَوُا الناسَ قد فقِهوا في الدين، همُّوا أن يعاقِبُوهم؛ فأنزلَ الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ)[التَّغَابُنِ: 14].
يا عبادَ اللهِ: إنَّ عداوةَ هؤلاء الأبناءِ والزوجاتِ ليست عداوةً ذاتيةً؛ فالابنُ والابنةُ قطعةٌ من الأب، هي لَحمُه ودَمُه، وهو لَحمُه ودمُه. والزوجةُ صاحبتُه في الدنيا، اختارَها لِتُشارِكَه حياتَه في طاعةِ الله ورضوانِه.
ولكِنْ تأتي عداوةُ الولدِ لأبيه، وعداوةُ الابنةِ لأبيها، وعداوةُ الزوجةِ لزوجِها، وعداوةُ الزوجِ لزوجتِه، وعداوةُ الابنِ والابنةِ لأمِّها؛ تأتي هذه العداواتُ كلُّها بأفعالِهم. فإذا فعلَت الزوجةُ والولدُ فعلَ العدوِّ كانوا أعداءً.
ولا فعلَ أقبَحُ عداوةً من أن تحُولَ زوجتُك ويحُولَ ابنُك بينك وبين طاعةِ الله -تعالى-. فمن كان مُطيعًا لزوجته في معاصِي الله، وتصُدُّه عن طاعةِ ربِّه، فهو لها عبدٌ، ومن كان مُطيعًا لولدِه وابنتِه، فينتهِكُ حُرُماتِ اللهِ لأجلِهما، ويترُكُ طاعةَ اللهِ ابتِغاءَ مرضاتِهما، فهو العبدُ الذَّليلُ لهما. وبئسَ العبدُ عبدُ الزوجةِ، وبئسَ العبدُ عبدُ الولدِ والابنةِ، وبئسَت الزوجة تُقدِمُ على معصيةِ ربِّها طاعةً لزوجِها، فهؤلاء عبيدُ الدنيا، ولا خيرَ فيهم إن لم يتوبوا توبةً نصوحًا.
أيُّها المؤمنون: فاحذَروا عداوةَ أزواجِكم وأولادِكم لكم بأفعالِهم بصدِّكم عن طاعةِ الله، لا تسمعوا لهم إن طلَبُوا منكم معصيةَ اللهِ، ولا تستجيبُوا لهم إِنْ أرادُوكم على تركِ طاعةِ اللهِ، فاحذَرُوهم على أنفسِكم في الدنيا بإنزالِ الضررِ بكم في أبدانِكم، واحذَرُوهم على أنفسِكم بأن يضُرُّوكم في دينِكم؛ فقد أنذَرَكم اللهُ وحذَّرَكم، فخُذُوا حِذرَكم من عداوةِ أفعالِهم.
فاللهَ اللهَ في حُبِّكم لأولادِكم ومودَّتِكم لزوجاتِكم أن تحمِلَكم على أخذ الحرام لهم، أو على معصيةِ الله ومُخالفة أمرِه؛ فتلكَ هي العداوةُ بعينِها التي قال اللهُ فيها: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ)[التَّغَابُنِ: 14]؛ فَجَدِّدُوا الْإِيمَانَ في قُلُوبِكُمْ، وَأَقِيمُوا عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ حَيَاتَكُمْ، واعلمُوا أنَّ الآيةَ التي حذَّرَكم اللهُ بها من أزواجِكم وأولادِكم هي عامَّة في كل معصيةٍ يرتكِبُها أحدُكم بسبب أهلِه وولدِه.
أيُّها المؤمنون: ادَّخِروا أولادَكم لآخرتِكم؛ علِّمُوهُم طاعةَ الله وأثيبُوهُم عليها، وحذِّرُوهُم من معصيةِ الله، ولا تستجيبُوا لهم إن طلَبُوها منكم. كي يكون أولادُكم عملًا صالحًا لا ينقطِعُ بعدَ موتِكم؛ كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "إذا ماتَ ابنُ آدمَ انقطَعَ عملُه إلا مِنْ ثلاثٍ: صدقةٍ جاريةٍ، وعلمٍ يُنتفَعُ به، وولدٍ صالحٍ يدعُو له"(رواه مسلم).
يا مسلمون: وادَّخِروا زوجاتِكم لآخرتِكم؛ أَمْسِكُوهُنَّ بإحسانٍ، وأدِّبُوهُنَّ على طاعةِ الله، وانهَرُوهُنَّ إن أَرَدْنَ معصيةَ اللهِ أو طَلَبْنَهَا منكم؛ حتى يكون الزواجُ طاعةً لله لا معصيةً له، وحتى تكونوا أنتم وزوجاتُكم في الجنان يوم القيامة مِصداقًا لقول الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ)[الطُّورِ: 21].
يا عبادَ اللهِ، يا مُؤمنون: لا دناءةَ أعظمَ من عبادة الهوى والشيطان، ولا دناءةَ أخسَّ من طاعةِ مخلوقٍ في معصيةِ الله، ولا خسارةَ أكبر من خسارة النفس في النار يومَ القيامةِ؛ ولهذا جاءَ التحذيرُ لكم مرةً أخرى من الأولاد، فقال لكم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ)[الْمُنَافِقُونَ: 9].
يا عبادَ اللهِ: الاشتِغالُ بالأموالِ والأولاد من أخلاق المُنافِقين؛ والله يُحذِّرُكم من أخلاقِهم وأفعالِهم، ويقولُ لكم: لا تفعَلُوا كما يفعلُ المُنافِقون مِنْ تركِ الفرائِضِ من صلواتٍ وغيرها، ولا تُشغِلْكم أموالُكم وأعمالُكم وأولادُكم عن طاعةِ الله ربِّكم؛ لأن مَنْ كانت هذه صفتُه، ومَنْ كان هذا عملُه، كان من الخاسِرين، وكان من الهالِكين، قال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "تَعِسَ عبدُ الدينار، تَعِسَ عبدُ الدرهم، تَعِسَ وانتَكَس".
أيُّها المُؤمنون: كان الرجلُ زمنَ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- يُريدُ أن يأتيَ النبيَّ ويُسلِم، ويتعلمَ أحكامَ الإسلام ليعملَ بها، وينجُو بنفسِه من الكُفر ومن عذابِ النار؛ فتَعْتَرِضُه زوجتُه وأولادُه، ويمنعُونَه من الذهابِ للنبيِّ -صلى الله عليه وسلم- لينالَ بركةَ الدين وصُحبةَ النبيِّ، ويقولون له: أين تذهَبُ وتترُكُنا؟ ثم إذا أسلمَ، وأدركَ أنَّه فاتَه خيرٌ كثيرٌ من فضل صُحبةِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- ومن تعلُّمِ أحكامِ الإسلام؛ غضِبَ غضبًا شديدًا، وهمَّ بمُعاقَبةِ زوجتِه وأولادِه الذين أخَّرُوه عن ذلك الخير؛ فأنزلَ الله قولَه: (وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[التَّغَابُنِ: 14].
يا مسلمون: وفي هذا توجيهٌ لكلِّ أبٍ أو زوجٍ صدَّته زوجتُه، أو منعَه أولادُه عن فعل ما أمرَه الله به فلم يفعله مرضاةً لهم، أو أغرَوه بمعصية الله فاستجابَ وعصَى اللهَ من أجلِهم؛ في هذا توجيهٌ له أن يعفُوَ عنهم، فلا يلُوم ولا يُعاقِب، بل يبدأ من جديدٍ حياتَه معهم، مُطبِّقًا القاعدةَ النبويةَ الذهبيةَ المُنجِيَة من سَخَطِ الله وعذابِه، وهي: "لا طاعةَ لمخلوقٍ في معصية الخالق"(رواه أحمد).
فكن أيُّها الأب، وكن أيُّها الزوج شُجاعًا في تعظيم حُرمات الله، ولا تكن مُغفَّلًا؛ لا تُطِعْ أولادَكم وزوجاتِكم في معصية الله ربِّكم، فاللهُ حذَّرَكم فقال لكم: (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ)[التَّغَابُنِ: 15]، وفي الأثر: "يُؤتَى برجلٍ يومَ القيامةِ فيُقال: أكلَ عيالُه حسناتِه". وعن بعض السلف: "العيالُ سُوسُ الطاعات". فاللهمَّ إنَّا نعوذُ بك من مُضِلَّات الفتن.
يا مُؤمنون، يا مسلمون، يا عبادَ اللهِ: اتَّقوا الله إِذَنْ، وراقِبُوه فيما جعلَه فتنةً لكم من الزوجات والذُّرِّية والأموال. فالحذرَ الحذرَ أن تغلِبَكم فتنتُهم، الحذرَ الحذرَ أن يصُدُّوكم عن الواجبِ عليكم من الانتِماءِ الحقيقيِّ لهذا الدين ومن العملِ به.
فلا عُذرَ لكم وأنتم تستطيعون توجيهَ هذه الفتن من المالِ والأهلِ والأولاد وفقَ طاعةِ اللهِ ومرضاتِه، وبادِروا بالاستِجابة لقولِ الله ربِّكم: (وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا)[التَّغَابُنِ: 16]؛ فالسمع لا يكونُ إلا لله ولرسولِه -صلى الله عليه وسلم-، والطاعة لا تكونُ إلا لله ولرسولِه. فاسمَعوا ما تُوعَظون به، وأطيعُوا فيما تُؤمرون به وتُنهَون عنه؛ وأصغُوا إلى ما ينزِلُ عليكم من كتاب الله، وإلى ما جاءَكم عن رسولِ الله.
قَدِّمُوا طاعةَ اللهِ ورسولِه على طاعةِ الأهلِ والولدِ، قَدِّمُوا محبَّةَ اللهِ ورسولِه على محبَّتِهم؛ حتى تفوزُوا بمحبَّةِ اللهِ ورضوانِه؛ فذلك خيرٌ لكم من الدنيا وما فيها.
واعلموا أن رسولَنا -صلى الله عليه وسلم- نبَّهنا إلى أنَّ حُبَّ الأولاد يدفعُ إلى البُخلِ والجُبنِ -وهما خَصلَتان ذميمتان لا تليقان بمسلمٍ مُؤمنٍ-؛ فقال -صلى الله عليه وسلم- عن الأولاد: "إنهم لَثمرةُ القلوبِ، وقُرَّةُ الأعينِ؛ وإنهم مع ذلك لَمَجْبَنَةٌ مَبْخَلَةٌ مَحْزَنَةٌ". فاحذَروا أن يكون أولادُكم -ذُكورًا وإناثًا- سببًا في تقاعُسِكم، وصدِّكم عن طاعةِ الله؛ أو سببًا في اقتِحامِكم ما يُغْضِبُ ربَّكم من المعاصِي. جاء في الحديث الشريف: "لا يُؤمنُ أحدُكم حتى أكون أحبَّ إليه من ولدِه ووالدِه والناس أجمعين".
فاللهمَّ ارزُقنا حُبَّك وحُبَّ رسولِك -صلى الله عليه وسلم-، اللهمَّ اجعلنا ممن يُقَدِّمُونَ حُبَّ رسولِك على حُبِّ الناس أجمعين، اللهمَّ قلِّب قلوبَنا على طاعتِك ورِضاك يا أرحم الراحمين، اللهمَّ أعِذنا من معصيتِك ومُخالفة أمرِك، اللهمَّ اجعل أولادَنا من العمل الصالح الذي لا ينقطِع، واجعل زوجاتِنا مفاتيحَ خيرٍ، مغالِقَ شَرٍّ، وارزُقنا خيرَ الدنيا والآخرة.
عبادَ اللهِ: إنَّ اللهَ لا يستجيبُ دعاءً من قلبٍ غافلٍ ساهٍ؛ فادعُوا اللهَ وأنتُم مُوقنونَ بالإجابة.
الخطبة الثانية:
الحمد لله المُنجِّي بطاعتِه من عذابِ النار، وأشهد أَنْ لَا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه وليُّ المتقين الأبرار، وأشهد أن سيِّدَنا محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، الذي قال: "مَا نَحَلَ وَالِدٌ وَلَدًا أَفْضَلَ مِنْ أَدَبٍ حَسَنٍ".
اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابِه، وعلى التابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم القيامة.
أما بعدُ؛ أيُّها الأبُ، أيُّها الزوج: أضرِبُ لكم مثالَين اثنين على عداوةِ أبنائِكم وزوجاتِكم لكم.
المثلُ الأول: إذا زوَّجتَ ابنَكَ وأقَمتَ من أجلِه حفلةً ساهِرةً قائمةً على التبرُّج والاختِلاط والغِناء الفاحِش المُصاحِب للموسيقى، وعصَيْتَ اللهَ رِضًا بما يَصنَع؛ فاعلَمْ أنَّ ابنَك عدوٌّ لكَ، واعلَمْ أنكَ أغضبتَ اللهَ ربَّكَ. فما أنتَ قائلٌ له يومَ القيامة؟
والمثلُ الثاني: إِنْ أطعتَ زوجتَكَ في قطعِ أرحامِكَ -قطعتَ أمَّكَ وأختَكَ وأخاكَ وغيرَهم وتركتَ صِلَتَهم إرضاءً لها-؛ وإن أعطَيتَ زوجتَكَ أُذُنَكَ فسمِعتَ منها مقالةَ السُّوءِ، فعاديتَ أهلَكَ وجيرانَكَ وأصدقاءَكَ بسبب وسوَسَتها لكَ بالشر؛ فاعلم أن زوجتَك عدوَّةٌ لكَ، واعلَمْ أنكَ أغضبتَ اللهَ ربَّكَ. فما هو عُذرُك حين تقفُ بين يدي الله للحساب؟ ليس بينَكَ وبينَ اللهِ تُرجُمانٌ.
وعلى هذين المثلَين قِيسُوا كلَّ أعمالِكم؛ لترَوا أن تفكُّكَ الأسرة المقدِسيَّة، وانحِدَارَ المجتمع نحوَ الهاوِيَة من أسبابِه الهامَّة طاعَتُكم للزوجات والأولاد في معصيةِ الله.
وهل النِّزاعاتُ بينكم والتي يُعتَدَى فيها على الدماء والأموال إلا بسبب ذلك؟ وهل قطعُ الأرحام المُستشري فيكم إلا بسبب ذلك؟ وهل تحلُّلُ بعضِ الفتياتِ والشبابِ والنساءِ مِنْ قِيَم الدينِ وأخلاقِه إلا بسبب ذلك؟
فأخبِرُوني -رحمكم الله-، أخبِرُوني إلى أينَ أنتُم ذاهِبُون بدينِكم وأخلاقِكم وقيمِكم؟ أخبِرُوني: هل الأُسَر والمجتمعُ فينا يبنُون جِدارَ الثَّبات على الدين والقِيَم أم يهدِمُونَه بسوءِ أفعالهم وصنيعِهم؟ وهل التحلُّلُ مِنْ قِيَم الدين وأخلاقِه الذي نراهُ في البيت، والشارع، والمدرسة، والجامع، والمؤسَّسات، إلا جرسُ إنذارٍ لكم ليقومَ كلُّ أبٍّ وزوجٍ، وأمٍّ وزوجةٍ، ومُرَبٍّ ومُربيَّة، بواجبِ المسجد الأقصى عليه؟
فالمسجد الأقصى يُريدُ الولَدَ الصالِحَ، والابنةَ البارَّةَ، والزوجةَ التي تَجمَعُ ولا تُفرِّق، والأَبَ الذي يبنِي ولا يهدِم، والجيلَ المُحافِظَ على القيَم.
فيا أيُّها الآباء، أيُّها الأزواج: لا تتنازَلُوا عن القوامة على زوجاتِكم وعلى أولادِكم، ولا تعتذِروا بعجزِكم عنها؛ كما نرى اليوم من انفِلَات بعض الأولاد والزوجات خُلُقيًّا وسُلُوكِيًّا.
يا عبادَ اللهِ: إنَّ تركَ الأَبِ الحبلَ على غارِبِه دون الأخذ بزِمام الأمور من أسبابِ إفساد المُجتمع الفلسطيني، ونشر الفوضَى والاضطراب فيه.
أيُّها الزوج، أيُّها الأب، أيَّتُها الزوجة، أيَّتُها الأمُّ: استمِعوا إلى اللهِ ربِّكم وهو يقول: (فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ * يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ)[عَبَسَ: 33-37]. الكلُّ يَفِرُّ مِنْ بعضهم البعض حذرًا من مطالبتهم بالتبعات، فمعصيةُ اللهِ من أجل ولدِك وزوجتِك تَبِعَةٌ من التَّبِعات سيسألونكَ عنها يومَ الحساب، وضربُكَ عُرضَ الحائِط طاعةَ ربِّكَ من أجل رِضاهم تَبِعَةٌ من التَّبِعات سيُلاحِقُونكَ عليها يومَ القيامة، فلا تذرُوا الأهلَ والذرِّيَّة يُعادُوكم بقبيحِ أفعالِهم.
يا مُؤمنون، يا أهلَ الإسلام، يا أهلَ الدين، يا أهلَ بيتِ المقدِسِ: إنَّ القُدسَ مُقدَّسَةٌ؛ لا تقبَلُ منكم إلا الرجُلَ الذي تُقدِّسُه أعمالُه بطاعةِ اللهِ، وبهجرِ معاصِيه، وكذلك القُدسُ المُقدَّسَةُ لا تَقبَلُ إلا المرأة التي تُقدِّسُها طاعتُها لربِّها، وإنَّ المسجدَ الأقصى مُبارَك لا يقبَلُ من أحدِكم كبيرًا كان أو صغيرًا إلا أن يكون مُبارَكًا بطاعتِه لله وللرسول -صلى الله عليه وسلم-.
وكيف يكونُ أحدُكم مُبارَكًا وولاؤُه لهوَى الذرِّيَّة وشهوَات الزوجَة؟! فصحِّحوا مسارَكم بتطهيرِ حياتِكم مِنْ كلِّ ما يُغضِب اللهَ. وكما تشدُّون رحالَكم إلى المسجد الأقصى ابتِغاءَ رضوانِ اللهِ فشُدُّوا قلوبَكم إلى دينِكم؛ فلا تُؤثِروا ولدًا ولا زوجةً ولا مالًا على ثباتِكم على طاعةِ اللهِ وطاعةِ رسولِه؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)[التَّحْرِيمِ: 6].
فاللهمَّ اجعَل أولادَنا للمسجد الأقصى ذُخرًا، وفي القدس عزًّا وفخرًا، اللهمَّ أصلِح لنا أنفسَنا، اللهمَّ أصلِح لنا ذريَّاتنا، اللهمَّ أصلِح لنا زوجاتِنا، اللهمَّ أصلِح إخوانَنا وأخواتِنا في بَيْت الْمَقدسِ وأكنافِه.
اللهمَّ فرِّج كُرُباتِنا وكُرُباتِ المسلمينَ، ونفِّسْ هُمومَنا وهُمومَ المسلمينَ.
اللهمَّ اجعَل للمسلمين من كل همٍ فرَجًا، ومن كل ضيقٍ مخرجًا، ومن كل بلاءٍ عافيةً.
اللهمَّ انصُر دينَك، ووفِّق عبادَكَ لِمَا تحبُّه وترضَاه، اللهمَّ احفَظ أقصانَا بحِفظِكَ، وارزُقنا الغُدُوَّ والرواحَ إليه في كل وقتٍ وحين.
اللهمَّ انصُر الإسلام والمسلمين، وأعْلِ كلمةَ الحقِّ والدين.
اللهمَّ اقضِ الدَّينَ عن المدينين، وأطلِق سراحَ الأسرَى والمُعتَقَلِين.
اللهمَّ أعطِنا خيرَ ما تُعطِي السائلين، واجمَع لنا صلاحَ الدنيا والدين، واغفِر لنا ولوالدِينا ولجميع المسلمين.
عبادَ اللهِ: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النَّحْلِ: 90]. فاذكُروا اللهَ يَذكُرْكم، واشكُرُوه يَزِدْكُم، واستغفِرُوه يَغفِرْ لكم. وَأَقِمِ الصَّلَاةَ؛ (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[الْعَنْكَبُوتِ: 45].
التعليقات