عناصر الخطبة
1/المرأة بين تكريم الإسلام وذل الجاهلية 2/بعض مظاهر تكريم الإسلام للمرأة.اقتباس
وَمِنَ الأُمُورِ الجَاهِلِيَّةِ الَّتي قَد يَسلُكُهَا بَعضُ الآبَاءِ، عَدَمُ الجُلُوسِ مَعَ بَنَاتِهِ، وَالتَّعَامُلُ مَعَهُنَّ بِغِلظَةٍ وَشِدَّةٍ، دُونَ رَحمَةٍ وَلا تَلَطُّفٍ، في أَسَالِيبَ جَافَّةٍ قَاسِيَةٍ، قَد تَصِلُ بِبَعضِهِم إِلى إِشعَارِهِنَّ بِكُرهِهِ لَهُنَّ، في...
الخطبة الأولى:
أَمَّا بَعدُ: فَأُوصِيكُم أَيُّهَا النَّاسُ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ؛ (يَا بَنِي آدَمَ قَد أَنزَلنَا عَلَيكُم لِبَاسًا يُوَارِي سَوآتِكُم وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقوَى ذَلِكَ خَيرٌ ذَلِكَ مِن آيَاتِ اللهِ لَعَلَّهُم يَذَّكَّرُونَ)[الأعراف:26].
أَيُّهَا المُسلِمُونَ: خَلَقَ اللهُ آدَمَ -عَلَيهِ السَّلامُ- مِن طِينٍ، وَخَلَقَ مِن ضِلعِهِ حَوَّاءَ لِيَسكُنَ إِلَيهَا؛ فَالجِنسُ البَشَرِيُّ ذَكَرٌ وَأُنثى، لا غِنى لِهَذَا عَن تِلكَ، وَلا لِتِلكَ عَن هَذَا؛ بَل هُمَا يَتَكَامَلانِ، لِتَسِيرَ الحَيَاةُ كَمَا أَرَادَ اللهُ إِلى مَا يَشَاءَ -سُبحَانَهُ-، وَإِنَّهُ وَإِن كَانَ جِنسُ الرِّجَالِ في الجَمَلَةِ أَفضَلَ مِن جِنسِ النِّسَاءِ، وَلِلذِّكرِ عَلَى الأُنثَى فَضلُ القِوَامَةِ لِمَا خَصَّهُ اللهُ بِهِ مِنَ العَقلِ وَالرَّزَانَةِ وَالصَّبرِ وَالجَلَدِ؛ فَإِنَّ لَهَا عَلَيهِ حَقَّ الإِنفَاقِ عَلَيهَا وَسِترِهَا وَصِيَانَتِهَا، وَحُسنِ التَّعَامُلِ مَعَهَا وَالرِّفقِ بِهَا، أُمًّا وَبِنتًا وأُختًا، وَزَوجَةً وَعَمَّةً وَخَالَةً، وَرَبِيبَةً أَو حَفِيدَةً أَو غَيرَ ذَلِكَ.
وَإِذَا كَانَتِ المُجتَمَعَاتُ الجَاهِلِيَّةُ في القَدِيمِ وَالحَدِيثِ، قَد تَنظُرُ لِلمَرأَةِ نَظرَةً دُونِيَّةً، تُؤَدِّي بِالرِّجَالِ إِلى أَن يَعُدُّوا النِّسَاءَ مِن سَقْطِ المَتَاعِ، فَيَرِثُهُنَّ بَعضُهُم فِيمَا يَرِثُونَ مِن آبَائِهِم، وَيَتَزَوَّجُونَهُنَّ رُغمًا عَنهُنَّ، وَلا يُوَرِّثُهُنَّ آخَرُونَ وَيَمنَعُونَهُنَّ حُقُوقَهُنَّ، وَيَتَلاعَبُ آخَرُونَ بِأَجسَادِهِنَّ كَمَا هِيَ الحَالُ في حَضَارَةِ الغَربِ وَالشَّرقِ اليَومَ؛ فَإِنَّ لِلإِسلامِ مَعَ المَرأَةِ شَأنًّا آخَرَ، وَكَانَ الهَديُ النَّبَوِيُّ وَهُوَ أَكمَلُ الهَديِ، أَحسَنَ هَديٍ في التَّعَامُلِ مَعَ المَرأَةِ وَالرِّفقِ بِهَا وَالعِنَايَةِ بِحَقِّهَا؛ فَقَد جَعَلَ دَرَجَةَ الخَيرِيَّةِ في الرَّجُلِ بِقَدرِ اعتِنَائِهِ بِأَهلِهِ وَحِرصِهِ عَلَى إِعطَائِهِم حُقُوقَهُم، وَأَوصَى -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- بِالنِّسَاءِ في أَعظَمِ حَفلٍ في حَجَّةِ الوَدَاعِ، وَحَثَّ عَلَى الوَفَاءِ لَهُنَّ بِحُقُوقِهِنَّ وَالعَدلِ بَينَهُنَّ، وَحَرَّجَ عَلَى مَن بَخَسَهُنَّ حَقَّهُنَّ، قَالَ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-: "خَيرُكُم خَيرُكُم لأَهلِهِ، وَأَنَا خَيرُكُم لأَهلِي"(رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ).
وَقَالَ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامَ-: "أَكمَلُ المُؤمِنِينَ إِيمَانًا أَحسَنُهُم خُلُقًا، وَخِيَارُكُم خِيَارُكُم لِنِسَائِهِم"(رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ).
وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- في خُطبَتِهِ في حَجَّةِ الوَدَاعِ: "فَاتَّقُوا اللهَ في النِّسَاءِ، فَإِنَّكُم أَخَذتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللهِ، وَاستَحلَلتُم فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ، وَلَكُم عَلَيهِنَّ أَلا يُوطِئنَ فُرُشَكُم أَحَدًا تَكرَهُونَهُ؛ فَإِن فَعَلنَ ذَلِكَ فَاضرِبُوهُنَّ ضَربًا غَيرَ مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ عَلَيكُم رِزقُهُنَّ وَكِسوَتُهُنَّ بِالمَعرُوفِ"(رَوَاهُ مُسلِمٌ).
وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "اِستَوصُوا بِالنِّسَاءِ خَيرًا؛ فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِن ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعوَجَ شَيءٍ في الضِّلَعِ أَعلاهُ؛ فَإِنْ ذَهَبتَ تُقِيمُهُ كَسرَتَهُ، وَإِنْ تَرَكتَهُ لم يَزَلْ أَعوَجَ، فَاستَوصُوا بِالنِّسَاءِ"(مُتَّفَقٌ عَلَيهِ).
وَلَفظُ مُسلِمٍ: "إِنَّ المَرأَةَ خُلِقَتْ مِن ضِلَعٍ، لَن تَستَقِيمَ لَكَ عَلَى طَرِيقَةٍ، فَإِنِ استَمتَعْتَ بِهَا استَمتَعْتَ بِهَا وَبِهَا عِوَجٌ، وَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهَا كَسَرتَهَا، وَكسرُهَا طَلاقُهَا".
وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "لا يَفْرَكْ -أَيْ لا يُبغِضْ- مُؤمِنٌ مُؤمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنهَا آخَرَ"(رَوَاهُ مُسلِمٌ).
وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "إِذَا كَانَت عِندَ الرَّجُلِ امرَأَتَانِ فَلَم يَعدِلْ بَينَهُمَا جَاءَ يَومَ القِيَامَةِ وَشِقُّهُ سَاقِطٌ"(رَوَاهُ أَصحَابُ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ).
وَقَالَ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ-: "إِنَّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَينِ: اليَتِيمِ وَالمَرأةِ"(رَوَاهُ أَحمَدُ وَغَيرُهُ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ).
وَمَعَ حَثِّ الإِسلامِ عَلَى العِنَايَةِ بِالمَرأَةِ وَالرِّفقِ بِهَا وَرَحمَتِهَا؛ فَإِنَّ ثَمَّ أُمُورًا مِن بَقَايَا الجَاهِلِيَّةِ، مَا زَالَ بَعضُ النَّاسِ مُتَمَسِّكِينَ بِهَا، حَرِيصِينَ عَلَى اتِّبَاعِ عَادَاتِ قَومِهِم فِيهَا، حَتَّى لَكَأَنَّهَا عِندَهُم شَرعٌ مُحكَمٌ لا يَحِيدُونَ عَنهُ وَلا يُفَرِّطُونَ فِيهِ، وَمِن أَخطَرِ ذَلِكَ عَضلُ المَرأَةِ وَمَنعُهَا مِنَ الزَّوَاجِ بِالكُفءِ، إِمَّا طَمَعًا في مَالِهَا إِن كَانَت مُوَظَّفَةً، وَإِمَّا تَمَسُّكًا بِمَعَايِيرَ شَدِيدَةٍ ضَيِّقَةٍ، يَضَعُهَا بَعضُ أَولِيَاءِ البَنَاتِ في رُؤُوسِهِم وَيَقيِسوُنَ بِهَا الرِّجَالَ المُتَقَدِّمِينَ لِخِطبَةِ بَنَاتِهِم، وَهِيَ في حَقِيقَتِهَا مِمَّا لم يَنزِلْ بِهَا سُلطَانٌ، وَلَيسَ عِندَهُم مِنَ اللهِ فِيهَا بُرهَانٌ، وَقَد نَهَى اللهُ -تَعَالى- عَن عَضلِ النِّسَاءِ؛ فَقَالَ -سُبحَانَهُ-: (فَلا تَعضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحنَ أَزوَاجَهُنَّ)[البقرة: 232].
وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "إِذَا خَطَبَ إِلَيكُم مَن تَرضَونَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلاَّ تَفعَلُوا تَكُنْ فِتنَةٌ في الأَرضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ"(رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ).
وَمِنَ الجَاهِلِيَّاتِ الَّتي يَأتِيهَا بَعضُ النَّاسِ إِمَّا مُبَاشَرَةً وَإِمَّا بِالتَّحَايُلِ، حِرمَانُ المَرأَةِ مِن حَقِّهَا الشَّرعِيِّ في المِيرَاثِ، في تَجَاهُلٍ وَاضِحٍ وَتَنَاسٍ لِكَونِ المِيرَاثِ مِمَّا قَسَمَهُ اللهُ في كِتَابِهِ وَبَيَّنَهُ وَفَصَّلَهُ، وَجَعَلَ لِكُلٍّ مِنَ الذَّكَرِ وَالأُنثَى فِيهِ نَصِيبًا مَفرُوضًا، وَأَوصَى بِهِ وَحَرَّمَ تَجَاوُزَ مَا فَرَضَهُ، وَحَذَّرَ مِن تَعَدِّيهِ بِمَا يَمنَعُ المُسلِمَ الَّذِي يَخَافُ اللهَ مِن تَعطِيلِهِ أَوِ التَّحَايُلِ عَلَيهِ، قَالَ -تَعَالى-: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا)[النساء: 7].
وَمِنَ الأُمُورِ الجَاهِلِيَّةِ الَّتي قَد يَسلُكُهَا بَعضُ الآبَاءِ، عَدَمُ الجُلُوسِ مَعَ بَنَاتِهِ، وَالتَّعَامُلُ مَعَهُنَّ بِغِلظَةٍ وَشِدَّةٍ، دُونَ رَحمَةٍ وَلا تَلَطُّفٍ، في أَسَالِيبَ جَافَّةٍ قَاسِيَةٍ، قَد تَصِلُ بِبَعضِهِم إِلى إِشعَارِهِنَّ بِكُرهِهِ لَهُنَّ، في حِينِ يُرَى لَطِيفًا في تَعَامُلِهِ مَعَ أَبنَائِهِ الذُّكُورِ، وَهَذَا فِكرٌ جَاهِلِيٌّ أَعوَجُ، وَحِرمَانٌ لِلنَّفسِ مِن عَظِيمِ الثَّوَابِ الَّذِي جَعَلَهُ اللهُ لِمَن أَحسَنَ تَربِيَةَ بَنَاتِهِ وَرِعَايَتَهُنَّ، فَفِي الحَدِيثِ عَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَن عَالَ جَارِيَتَينِ حَتَّى تَبلُغَا، جَاءَ يَومَ القِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ" وَضَمَّ أَصَابِعَهُ"(رَوَاهُ مُسلِمٌ).
وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "مَن كَانَ لَهُ ثَلاثُ بَنَاتٍ، فَصَبَرَ عَلَيهِنَّ، وَأَطعَمَهُنَّ وَسَقَاهُنَّ وَكَسَاهُنَّ مِن جِدَتِهِ، كُنَّ لَهُ حِجَابًا مِن النَّارِ يَومَ القِيَامَةِ"(رَوَاهُ ابنُ مَاجَه وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ).
أَلا؛ فَاتَّقُوا اللهَ؛ (الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِن أَنفُسِكُم أَزوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِن أَزوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِنَ الطَّيِّبَاتِ)[النحل: 72]، (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[الروم:21].
الخطبة الثانية:
أَمَّا بَعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ -تَعَالى- وَأَطِيعُوهُ، وَرَاقِبُوا أَمرَهُ وَنَهيَهُ وَلا تَعصُوهُ "وَاتَّقُوا اللهَ وَاعلَمُوا أَنَّكُم مُلاقُوهُ"
أَيُّهَا المُسلِمُونَ: وَمِن أَعظَمِ مَا كَرَّمَ بِهِ الإِسلامُ المَرأَةَ أَن أَمَرَهَا بِالقَرَارِ في البَيتِ، قَالَ -تَعَالى-: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى)[الأحزاب:33].
أَجَل -أَيُّهَا المُسلِمُونَ- إِنَّ أَكرَمَ مَا تَكُونُ المَرأَةُ وَهُوَ أَحفَظُ لِعِرضِهَا وَأَشَدُّ صِيَانَةً لِكَرَامَتِهَا، أَن تَقَرَّ في بَيتِهَا، تَرعَى شُؤُونَهُ وَتُدَبِّرُ سِيَاسَتَهُ، وَتُهَيِّئُ فِيهِ كُلَّ مَا يُسعِدُ زُوجَهَا وَأَبنَاءَهَا، غَيرَ أَنَّ أَعدَاءَ المَرأَةِ مِنَ الكُفَّارِ وَالمُنَافِقِينَ وَالمُفسِدِينَ، غَاظَهُم أَن تَكُونَ المَرأَةُ بَعِيدَةَ المَنَالِ عَنهُم، يَصعُبُ عَلَيهِم أَن يَصِلُوا إِلَيهَا وَهِيَ في بَيتِهَا مُكَرَّمَةً يَحمِيهَا الأَبُ وَالأَخُ وَالابنُ وَالزَّوجُ، فَأَغرَوهَا وَزَيَّنُوا لَهَا العَمَلَ خَارِجَ البَيتِ، وَوَعَدُوهَا بِالفَقرِ وَسَمَّوهَا عَاطِلَةً إِن هِيَ لَزِمَت بَيتَهَا.
بَل وَعَمِلُوا عَلَى إِفقَارِ الشُّعُوبِ حَتى تُضطَرَّ المَرأَةُ أَحيَانًا لِلعَمَلِ، في حِينِ شَوَّهُوا صُورَةَ طَاعَتِهَا لِزَوجِهَا وَقَرَارِهَا في بَيتِهَا، وَجَعَلُوهُ نَوعًا مِنَ العُبُودِيَّةِ أَو تَقيِيدِ الحُرِّيَّةِ، وَحَسَّنُوا لَهَا التَّمَرُّدَ وَالانفِلاتَ، وَأَن تَكُونَ خَرَّاجَةً وَلاَّجَةً، تَقصِدُ الحَدَائِقَ وَالمُتَنَزَّهَاتِ وَالمَقَاهِيَ وَأَمَاكِنَ اللَّهوِ المُختَلطَةَ، لِتَستَعرِضَ بِجَسَدِهَا أَمَامَ كِلابِ الشَّهَوَاتِ المَسعُورَةِ؛ فَتَمَلَّ مِن بَيتِهَا، وَتَكرَهَ زَوجَهَا، وَتُقَصِّرَ في حَقِّهِ وَحَقِّ أَبنَائِهَا، وَتُهمِلَ رِسَالَتَهَا العَظِيمَةَ في التَّربِيَةِ وَالقِيَامِ بِشَأنِ أُسرَتِهَا، وَتَكُونَ أُلعُوبَةً في أَيدِي مَن لَيسُوا لَهَا بِمَحَارِمَ، وَلا حَرِيصِينَ عَلَى مَا يَنفَعُهَا وَيَرفَعُهَا، بَل هُم عَبِيدُ شَهَوَاتٍ، يُرِيدُونَ الاستِمتَاعَ بِهَا مُدَّةَ شَبَابِهَا وَنَضَارَتِهَا؛ فَإِذَا قَضَوا وَطَرَهُم تَرَكُوهَا ضَائِعَةً لا مَأوَى لَهَا وَلا عَائِلَ؛ فَسَقَطَت شَرَّ سُقُوطٍ في سُجُونِ الأَمرَاضِ وَضَعفِ الجَسَدِ، وَالوِحدَةِ وَالهَمِّ وَالغَمِّ وَعَدَمِ الوَلَدِ، وَيَا لَهَا مِن خَاتِمَةٍ مَا أَسوَأَهَا!
فَاللهَ اللهَ -أَيُّهَا المُسلِمُونَ- اِحفَظُوا نِسَاءَكُم، وَارعَوا أَمَانَاتِكُم؛ فَكُلُّكُم رَاعٍ وَكُلُّكُم مَسؤُولٌ عَن رَعِيَّتِهِ؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)[التحريم: 7].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم