الرجولة: تعريفها وبيان آثارها

صالح بن عبد الله بن حميد

2025-12-12 - 1447/06/21 2025-12-13 - 1447/06/22
التصنيفات: التربية
التصنيفات الفرعية: بناء المجتمع
عناصر الخطبة
1/صفة الرجولة صفة نبيلة 2/تعريف الرجولة وبيان بعض آثارها الحسنة 3/توضيح بعض مواطن ظهور الرجولة الحقة 4/عوامل تؤثر على الرجولة وتضعفها 5/في أطفال فلسطين معاني الرجولة الحقة

اقتباس

إنَّ الرُّجولةَ إذا أُقيمَت على وجهِها فإنَّها -بإذن الله- صمامُ أمانٍ للمُجتمع والأُسَرِ والأوطانِ؛ تقودُ إلى التسابُق إلى المحامِد، وتقضِي على السلبيَّة والذوبان والضَّعْف والضياع، ولا سيما أمامَ الدعوات المُريبة لهدم المُجتمعات، وضَعْف الانتِماء...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله، الحمد لله جعَل لكل شيء قدرًا، وأحاط بكل شيء خُبرًا؛ أحمده -سبحانه- وأشكره، أسبَل علينا مِنْ حفظِه سترًا، وأشهد أَنْ لَا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له؛ أدَّخِرُها ليوم القيامة ذخرًا، وأشهد أن سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه؛ المبعوثُ للثَّقَلَين بشيرًا ونذيرًا عُذرًا ونُذرًا؛ صلَّى اللهُ وسلَّم وبارَك عليه وعلى آلِه وأصحابِه، أعظمَ اللهُ لهم أجرًا، وخلَّدَ لهم ذِكرًا، والتابعينَ ومَنْ تبعَهم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ، وسلَّم تسليمًا كثيرًا مزيدًا يترى.

 

أما بعد: فأوصيكم -أيها الناسُ- ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله -رحمكم الله- واعلموا أن من صَفَا قلبُه حَسُنَ بالله ظنُّه، وتفتَّحَت بالبشائرِ آمالُه، ومَنْ صدَقَت نيَّتُه عَلَا في الناس ذِكرُه، ومن وثَقَ بما عند ربِّه تنزَّلَت عليه السَّكِينةُ.

 

يا عبدَ اللهِ: عوِّد لسانَك ربِّ اغفِرْ لي؛ فإنَّ ثمَّةَ ساعاتِ إجابةٍ عند ربِّك، وعامِلِ الناس بما ترَى لا بما تسمَعَ، وشيئانِ لا تذكُرهما: إحسانُكَ للناس، وإساءةُ الناسِ إليكَ، والرفقُ رأسُ الحكمة، ولا شيء يُساوِي العافيةَ، (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ)[فُصِّلَتْ: 34-35].

 

أيها المسلمون: صفةٌ نبيلةٌ متوارَثةٌ، ومُكتَسَبٌ حميدٌ تضعُ المجتمعَ في مقامٍ كريمٍ، من العلوِّ والتسامِي والاحتِرام والأدَبِ العالِي، والاعتزازِ بالدين، وبالوطن، وتاريخ الأمة، ولغتها، وتراثِها، صفةٌ تَجمَعُ بين القوةِ والرحمةِ، والحزمِ واللينِ، والشجاعةِ والتِزامِ الحقِّ في النفسِ وفي الآخرينَ؛ في قوةِ جَنَانٍ، وسلامةِ فكرٍ، وصفاءِ عقلٍ.

 

أيها المسلمون: إنها صفةُ الرُّجولة؛ في الرُّجولة تترسَّخُ في المُجتمع قوتُه، وتحفَظُ الأسرُ ترابُطَها، وتحصِّنُ أجيالَها، وتأمنُ به الدولُ من الاختِراقِ والتخلْخُل؛ وتدومُ -بإذن الله- المنافِعُ والمُكتَسَباتُ، وتندفِعُ المضارُّ والمُفسِدَاتُ.

 

معاشرَ المُسلمينَ: إنَّ من صنائعِ الحِكمة، ومسالِك الحِنكَة: التمسُّكَ بالرُّجولة وحميدِ الخِصالِ، وجميلِ السجايا، وغرسَ المآثِر التي يتسابَقُ في ميدانِها الشُّرفاءُ، وبالانتسابِ إليها يَشتَهِرُ الفُضَلاءُ؛ ومن ثمَّ تتوارَثُ الأجيالُ هذه الأخلاقَ والمكارم والعادات والأعرافَ والتقاليدَ الحميدةَ، وفي التنزيل العزيز: (وَوَصَّى بها إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ)[الْبَقَرَةِ: 132-133].

 

مَعاشِرَ الإخوةِ: حين تترسَّخ الرجولةُ يكونُ -بإذن الله- العونُ في النائِبات، والنجدةُ حين المُلِمَّات.

 

الرجولة خطٌّ مُستقيمٌ طويلُ جادَّةٍ، ينتظِمُ العلمَ والعملَ، وبذلَ المعروف والإحسان، وكل حسنٍ جميلٍ، الرجولة تأبَى النقائِص، وتأنَفُ المذمَّات، الرجولة هي المسؤولية، وتحمُّلُها بكل متطلَّباتها المادِّية والأخلاقيَّة، الرجولة تَحمِلُ صاحِبَها على معالي الأمور، وترفعُه عن سفاسِفِها.

 

وخيرُ ما تهتم به التربيةُ: صناعةُ الرجولة، وتربيةُ الرجال، ولن تنبُتَ الرجولة ويتربَّى الرجالُ إلا في ظلال العقائد الصحيحة، والفضائلِ الرفيعة.

 

معاشرَ المسلمينَ: وللرجولة مُقوِّماتُها ومظاهرُها؛ إنَّ مِنْ أعظمِ ما يُحافِظُ على الأصالةِ والرجولةِ: التمسُّكَ المتينَ بالدين وبالهُويَّة، والاعتزازَ بالانتماء إلى الأهل والأعراف الحسنة؛ إنه مسلَكٌ متينٌ؛ إذا تعاهَدَه المجتمع، وتعاهَدَته مناهِجُ التربيةِ؛ فهو -بإذن الله- الحافِظُ للأجيال من الذوبان والهشاشة والانحِراف.

 

عبادَ اللهِ: وممَّا يبنِي الرجولةَ: التربيةُ الحازِمةُ على الشعور بالمسؤولية، والتمسُّك المُحكَم بالديانة، والمُحافظة على المُكتسَبات، وتعظيم التأريخ والتُراث؛ من أجل انطلاقةٍ راشِدةٍ نحوَ مُستقبَلِ العزَّةِ والشُّموخِ.

 

إن ترسيخَ الشعور بالمسؤولية يصنعُ -بإذن الله- أجيالًا قويَّةً تُصِرُّ على تحقيقِ الأهدافِ؛ وحينئذٍ لا يبقَى للانشِغال بالترَف والكماليَّات أثرٌ كبيرٌ في إضعافِ التطلُّع إلى المعالِي وعلوِّ الهِمَمِ.

 

مَعاشِرَ الإخوةِ: ومن مبانِي الرجولة: مُجالَسَةُ العلماءِ والوجهاءِ ورجالِ الأعمالِ وذوي التجارِبِ؛ ممَّا يحفَظُ على الأجيال أصالتَهم وارتِباطَهم بوطنهم، وارتِباطَهم بأهلِهم، واعتِزازَهم بالانتِماء إليهم.

 

وإن من الجميل ما اعتادَتْه بعضُ الأُسَرِ مِنْ فتحِ مجالِسَ وديوانياتٍ وأنديَةٍ لا يغيبُ عنها أبناؤُها؛ مجالِس تستضيفُ فيها رجالات المُجتمع وكُبراءَه ليُقدِّموا رُؤاهُم وتجارِبَهم وتوجيهاتِهم؛ ويتمُّ فيها تكريمُ مَنْ يستحقُ التكريم من أهل الفضل والإنجازات.

 

كلُّ هذا ممَّا يُرسِّخُ الرجولةَ الحقَّةَ بمبادئِها وآثارِها العلميَّة والعمليَّة والتربويَّة والنفسيَّة. بل إنه من خلال هذه المجالِس والديوانيات تُنمَّى مهاراتُ أفراد الأُسَر من أبناءٍ وبناتٍ، والارتقاءِ بقدراتِهم، وتوسيعُ مدارِكهم وآفاقهم؛ كما يتعلمون الأدبَ والأخلاقَ وحُسنَ التعامُل، وتوقيرَ الكبار، وتقديرَ ذوي الهيئات، واحترامَ الناس؛ ناهِيكم عمَّا يدورُ في هذه المجالِس من نقاشٍ وآراءَ وفوائِدَ لها تأثيرُها البالِغ المباشِرُ وغيرُ المُباشِر.

 

أيها الإخوةُ في الله: وإنَّ من أهمِّ مُقوِّمات الرجولة: الحفاظَ على لغة الأمة تكلُّمًا وتعلُّمًا وتعليمًا؛ فكيف إذا كانت هي لغةَ القرآن الكريم وحاملةَ الوحي العظيم: القرآن الكريم والسُّنَّة المُطهَّرة؟! إنَّ رطانةَ المرء منقصة، ويزدادُ الأمر نقصًا وضَعْفًا وعِيًّا حين يكون ذلك فيمَنْ هُمْ في مقام التوجيه والإرشاد والقدوة، وقد دفعت ساداتُ قريش أطفالَها الرُّضَّعَ إلى البادية؛ ليلتقِطوا اللغةَ الفصيحةَ الراقِيَةَ؛ والأممُ تعِزُّ بعِزِّ لغاتِها.

 

إنَّ الأصالةَ والرجولةَ تقتضِي حدًّا لا نُزولَ عنه من السلامة اللُّغويَّة والتمكُّن اللُّغويّ الذي يحمِي من الذَّوبان وسطحيَّة التفكير، ورداءة الكتابة والتعبير.

 

أيها الشبابُ: مَواطِنُ بُروزِ الرجولةِ كثيرةٌ؛ في العلم، والاقتصاد، والتجارة، والتقنيَّات؛ فمن يُريدُ نصرَ الإسلام، ورفعةَ الوطن، وإعلاءَ شأن الأمة، والانتِماءَ إلى محمدٍ وربِّ محمدٍ ودينِ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-؛ فجادَّةُ الرجولةِ واضِحةٌ، ومَنْ لم يتهيَّأ له ذلك فليعزِمْ على فعلِه إذا تهيَّأ له.

 

معاشرَ المسلمينَ: وهذه نماذج من نماذج المجالِس والتربية وبناء الرجولة من مأثور السلف الصالح:

هذا عمر بن الخطابٍ -رضي الله عنه- يُدخِل عبدَ الله بن عباسٍ -رضي الله عنه- وهو شابٌّ مع أشياخ الصحابة من أهل بدرٍ؛ حتى قال بعضُهم: لِمَ تُدخِلُ هذا ولنا أبناءٌ مثلُه؟ فقال عمر: إنه من حيثُ علِمتُم. فدعاه ذاتَ يوم وأدخَلَه معهم؛ فقال ابن عباس: فما رأيتُ أنَّه دعاني يومئذ إلا ليُريَهم علمي. قال عمر: ما تقولون في قول الله -عز وجل-: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ)[النَّصْرِ: 1] السورة. فقال بعضُهم: أُمِرنا أن نحمدَ الله ونستغفِرَه إذا نُصِرنا وفُتِحَ علينا. فقال لي: أكذا تقول يا بن عباس؟ فقلتُ: لا. فقال: ما تقول؟ فقلتُ: هو أجلُ رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أعلَمَه له؛ قال: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ)فذلك علامةُ أجلِكَ؛ (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ). فقال عمر: ما أعلمُ منها إلا ما تقول.

 

أما في شأن الصغار -عبادَ اللهِ- فتأمَّلوا هذا الأثرَ التسلسليَّ التربويَّ لحُسنِ تنشئةِ الصغارِ، وحفظِ حقوقِهم، وزرعِ الأدبِ فيهم؛ فقد روى الترمذيُّ بسندٍ صحيحٍ عن سيَّار قال: كنتُ أمشي مع ثابتٍ البُنانيِّ فمرَّ على صبيانٍ فسلَّم عليهم؛ فقال ثابتُ: "كنتُ أمشي مع أنس فمرَّ على صبيانٍ فسلَّم عليهم؛ وقال أنسٌ: كنتُ أمشي مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فمرَّ على صبيانٍ فسلَّم عليهم".

 

وبعدُ، حفِظَكم الله: فإن الرُّجولة إذا أُقيمَت على وجهِها فإنَّها -بإذن الله- صمامُ أمانٍ للمُجتمع والأُسَرِ والأوطانِ؛ تقودُ إلى التسابُق إلى المحامِد، وتقضِي على السلبيَّة والذوبان والضَّعْف والضياع، ولا سيما أمامَ الدعوات المُريبة لهدم المُجتمعات، وضَعْف الانتِماء، ونزع الثقة من رجالات الأمة، والتمسُّك بجذورها والاعتزازِ بها.

 

إن المُحافظة على الرُّجولة والأصالة هي سبيلُ الرشاد ومنهجُ السداد. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا)[الْأَحْزَابِ: 23].

 

نفعني الله وإيَّاكم بهدي كتابه، وبسنَّة نبيِّه محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة؛ فاستغفِروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله عمَّ برحمته جميعَ العبادِ، واختصَّ أهلَ طاعته بالهدى والرشاد، أحمدُه -سبحانه- وأشكرُه على نعمِه وآلائِه وهي مع الشكر تزداد، وأشهد أَنْ لَا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له؛ تنزَّه عن الأشباه والأنداد، وأشهد أن سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه؛ أكملَ اللهُ به الدينَ، وأقامَ به أعلامَ الحنيفيةِ وأشادَ، صلَّى اللهُ وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وأصحابِه، أهلِ الخيرِ والفضلِ والإسعادِ، والتابعينَ ومَنْ تبعَهم بإحسان إلى يوم المعاد.

 

أما بعدُ، معاشرَ المسلمينَ: وممَّا يؤثِّر على الرجولة ويُضعِفُها: ما يظهرُ في بعض أدوات التواصُل الاجتماعي من الإغراق في السطحيَّات، والمُبالَغة في الكماليَّات وصغائر الأمور، وتعظيم الذات، وإفساد الذوق، وتمجيد اللحظة العابِرة، والتنشئة على المستصغَرات والمُحقَّرات؛ حتى صار المقياسُ عندَ هؤلاء بعدد المُعجَبينِ، وعددِ المُشارِكينَ، والاستعراضِ بالأرقام، وليس على الأصالَة والرجولة والبناء الحقيقيّ للإنسان.

 

حينما تكون المستصغَرات والقُشور هي الأكثر رواجًا؛ فإن الرأي العامّ يُصاغُ وفقَ هذه الرُّؤى الصغيرة الضعيفة الهزيلة؛ ويكون المرءُ مُستهلِكًا لا منتِجًا، ومغلوبًا لا غالِبًا، وتابعًا لا مُستقِلًّا، مُستخدِمُ هذه الأدوات يظنُّ أنَّه حُرٌّ يختارُ ما يشاء؛ ولو فكَّرَ ونظرَ لَأدركَ أنَّه أسيرٌ لما قد أُعِدَّ له مُسبقًا؛ فهو يُساقُ إليه سوقًا من حيث يدرِي أو لا يدرِي.

 

هذا السُّلوك يمنعُ من التفكير العميق، وينقُلُ إلى ردودِ أفعالٍ سريعةٍ لا يُعبِّر المرءُ فيها عن نفسِه، بل إنه يَعرِضُ نفسَه. إنه لا يبحثُ عن الأصالَة ولا الرُّجولة والحياة الجادَّة؛ وإنَّما يبحثُ عن الاستعراض والانتِشار والجاذبية، والحصول على أكبر عددٍ للمُتابعينَ والمُشاهدينَ، وبدلًا من أن يكون هو الإنسان المُفكِّر؛ يكون الإنسانَ المُشاهَد، همُّه أن تظهر صورتُه ويُحدِّثَها، وليس له همٌّ في بنائِه الرُّجوليِّ وإثرائِه الفِكريِّ؛ فهو يُسوِّقُ نفسَه كما تُسوَّقُ السِّلع. في مقاييس الصغار: الصورةُ مُقدَّمةٌ على المُحتوى، والمُتابَعة أهمُّ من الأصالة، وسُرعةُ الانتِشار مُقدَّمةٌ على المضمون. وتكون النتيجةَ: الانصِرافَ عن الوطن وأهلِه، وما عليه من تديُّنٍ وصلاحٍ واستِقامةٍ وأصالةٍ، واستِصغار تُراثِه وتاريخِه وهويتِه؛ والبُعدِ عن المعالي وعالي الهِمَم.

 

أيها الآباء والأمهات، أيها المُعلِّمون والمُعلِّمات، أيها المسؤولون جميعًا: قوموا بمسؤولياتِكم، اغرِسوا الفضائلَ في أبنائِكم وبناتِكم، أحسِنوا تربيتَهم، احفَظوهم من مسالِك الضَّعْف والخَوَر.

 

اللهَ اللهَ في رعايةِ الأجيال، وصناعةِ النَّشء، وحمايةِ المُجتمع، وبناءِ الرُّجولة. خُذوا بأيدي الشباب والشابَّات إلى الفضيلة والحِشمة والحياء والمكارِم، احفَظوهم من الضياع والذوبان، جنِّبوهم مسالِكَ الفواحش والجرائم ومُحقَّرات الأمور.

 

ألا فاتَّقوا الله، ألا فاتَّقوا الله -رحمكم الله-، واعلموا أن من النماذج المُبهِجة والصُور الكريمة: أبناءَنا أطفالَ فلسطين الصغار؛ أبناءَنا أطفالَ فلسطين العزيزة؛ إنهم أطفالٌ في أعمارهم، رجالٌ في أفعالهم، أبطالٌ في مواقِفهم، أطفالٌ أبطال قُتلَ آباؤُهم وهم ينظُرون، وهُدِّمَت منازِلُهم وهم يَشهَدون؛ ومع هذا وقفوا بأبدانهم وصدورهم وعصيِّهم وحجارتهم ضدَّ العدو الصهيوني الظالِم الغاشِم، بأسلحته المُتنوِّعة المُتفوِّقة الفتَّاكَة؛ وقفوا في رجولةٍ ترفُضُ الاستسلام، وتأبَى الذلَّ والهَوَان.

 

إنَّ دماءَ الشهداءِ ومواقِفَ الرجالِ وصمودَ الأبطالِ تُثمِرُ -بإذن الله- نفوسًا أبيَّةً، وقلوبًا لا تقبلُ الدنيَّةَ؛ وستظلُّ فلسطينُ والقدسُ في قلوب العرب والمسلمين شامخةً عليَّةً.

 

هذا وصلُّوا وسلِّموا على الرحمة المُهدَاة، والنعمة المُسدَاة؛ نبيِّكم محمدٍ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فقد أمرَكم بذلك ربُّكم في مُحكَم تنزيله فقال -وهو الصادقُ في قيله- قولًا كريمًا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].

 

اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِك ورسولِك نبيِّنا محمدٍ؛ الحبيب المُصطفى، والنبي المُجتبَى؛ وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المُؤمنين.

 

وارضَ اللهمَّ عن الخلفاء الأربعة الراشدين: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ؛ وعن الصحابة الأجمعين، والتابعينَ ومَنْ تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين؛ وعنَّا معَهم بعفوكَ وجودكَ وإحسانكَ يا أكرمَ الأكرمينَ.

 

اللهمَّ أعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، وأذِلَّ الشركَ والمشركينَ، ودمر الطغاة والملاحدة وسائرَ أعداء الملة والدين.

 

اللهمَّ آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمَّتَنا وولاةَ أمورنا، واجعل ولايتَنا فيمن خافَكَ واتقاكَ واتبع رضاكَ يا ربَّ العالمينَ.

 

اللهمَّ وفِّقْ إمامَنا وولِيَّ أمرِنا خادمَ الحرمين الشريفين؛ اللهمَّ وفِقه بتوفيقِك، وأعِزَّه بطاعتِك، وأعلِ به كلمتَك، واجعله نُصرةً للإسلام والمسلمين. وفِّقه وولِيَّ عهدِه وإخوانَه وأعوانَه لما تحبُّ وترضَى، وخُذُ بنواصِيهم للبرِّ والتقوى.

 

اللهمَّ وفِّق ولاةَ أمور المسلمين للعمل بكتابِك وبسنة نبيِّك محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-؛ واجعلهم رحمةً لعبادِك المؤمنين، واجمع كلمتَهم على الحقِّ والهدى يا ربَّ العالمينَ.

 

اللهمَّ أَصْلِح أحوالَ المسلمينَ في كل مكان؛ اللهمَّ احقِن دماءَهم، واجمع على الحقِّ والهدى والسنة كلمتَهم.

 

اللهمَّ عليك باليهود الغاصِبين المُحتلِّين؛ فإنهم لا يُعجِزونك، وإنهم قد طغَوا وبغَوا. اللهمَّ أنزِل بهم بأسَك الذي لا يُردُّ عن القوم المُجرمين. اللهمَّ إنَّا ندرَأُ بك في نُحورِهم، ونعوذُ بك من شرورِهم.

 

اللهمَّ زِدنا ولا تنقُصنا، وأعطِنا ولا تحرِمنا. اللهمَّ إنَّا نحمدُك ونشكُرُك على ما أنزلتَ علينا من الغيث؛ فتحتَ لنا من رحمتِك أبوابًا، وأرسلتَ لنا من فضلك سحابًا؛ عَمَّ بفضلِك غيثُه سهلَ الأرض وحزنَها، ورفعَ عن النفوسِ ضيقَها وحُزنَها؛ فأصبحنا بنعمِك مُستبشِرين، وبخيرِك وبرِّك ومددِك فرحين؛ ولمزيدٍ من فضلك وإحسانِك راجِين، ولآثار رحمتِك بالعباد والبلاد مُؤمِّلينَ، فاشكُروا -عباد الله- ربَّكم كثيرًا، وسبِّحُوه بكرةً وأصيلًا؛ وسلُوه المزيدَ من الصيبِ النافع، وأن يتبعهَ بمزيدٍ من جوده وفضلِه؛ فليس لجُود ربِّنا حدٌّ ولا مقدارٌ، وكلما جدَّد لكم ربُّكم نِعَمًا فجدِّدوا له حمدًا وشُكرًا؛ وكلما رفعَ عنكم ما تكرهون فقوموا بحقِّه طاعةً له وثناءً وذِكْرًا.

 

اللهمَّ أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانِطين، اللهمَّ أغِثنا، اللهمَّ إنَّا نستغفِرُكَ إنكَ كنتَ غفَّارًا؛ فأرسِلِ السماءَ علينا مِدرارًا، واجعَلْ ما أنزلتَه قوةً لنا على طاعتِكَ، وبلاغًا إلى حين، اللهمَّ غيثًا مُغيثًا، غدقًا سحًّا مُجلِّلًا؛ تُحيي به البلاد، وتسقِي به العبادَ، وتجعله بلاغًا للحاضر والباد، اللهمَّ فلا تمنعَ عَنَّا بذنوبِنا فضلَكَ؛ على الله توكلَّنا؛ (رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)[يُونُسَ: 85]. (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[الْأَعْرَافِ: 23]، (رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[الْبَقَرَةِ: 201].

 

(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصَّافَّاتِ: 180-182].

المرفقات

الرجولة تعريفها وبيان آثارها.doc

الرجولة تعريفها وبيان آثارها.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات