المطر وأحكامه

الشيخ د علي بن عبدالعزيز بن علي الشبل

2025-12-05 - 1447/06/14 2025-12-21 - 1447/07/01
عناصر الخطبة
1/ مفاهيم خاطئة تتعلق بنزول المطر 2/حرمة الاستسقاء بالأنواء 3/خطأ الاعتبار بكثرة المطر أو قلته 4/من أحكام المطر المتعلقة بالصلاة.

اقتباس

العبرة بالبركة التي يجعلها الله في هذا الغيث، فربما جاءت السيول الجارحة فأفسدت وأضرت، ولم تنفع عباد الله، وربما جاء الناس رشٌّ يسير حتى غدت الأرض فيها بأبهى حُلةٍ من الربيع والكلأ، فسلوا ربكم -جَلَّ وَعَلَا- البركة فيما يُنزِل، واحمدوه عليها فإنه المنعِم ...

الخطبة الأولى:

 

إنَّ الْحَمْدَ لِلهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وَأَشْهَدُ أن لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أن مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلِّم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد: عباد الله: فاتقوا الله حق التقوى، واستمسكوا من دينكم الإسلام بعروته الوثقى فإن أجسادنا على النار لا التقوى؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102].

 

 أيها المؤمنون: ثمة مفاهيم خاطئة مبناها على اعتقاداتٍ باطلة تتعلق بنزول المطر أو بارتفاعه أو بنفعه أو بضرره؛ ففي صحيح مسلم عن أبي مالكٍ الأشعري -رَضِيَ اَللَّهُ عَنْه- قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ لَا يَتْرُكُونَهُنَّ: الْفَخْرُ فِي الْأَحْسَابِ، وَالطَّعْنُ فِي الْأَنْسَابِ، وَالِاسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ، وَالنِّيَاحَةُ. وَقَالَ: النَّائِحَةُ إِذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا؛ تُقَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَيْهَا سِرْبَالٌ مِنْ قَطِرَانٍ وَدِرْعٌ مِنْ جَرَبٍ"(أخرجه مسلم: ٩٣٤).

 

 إن الاستسقاء بالأنواء -يا عباد الله- هو نسبة إنزال المطر لظهور نجمٍ أو أفوله، أو دخول مطلعٍ أو خروجه، ومن ذلك نسبة نزول المطر من المنخفضات أو المرتفعات الجوية، ففي الصحيحين من حديث زيد بن خالدٍ الجهني -رَضِيَ اَللَّهُ عَنْه-، قال: صلى بنا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلاة الغداة -أي: الفجر- في الحديبية على إثر سماءٍ من الليل -نزل عليهم مطرٌ في أثناء الليل أو في آخره-.

 

فلما انصرف أقبل علينا بوجهه فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «أتَدْرُونَ مَاذَا قالَ رَبُّكُمْ؟» قلنا: الله ورسوله أعلم. فَقالَ: «قالَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: أصْبَحَ مِن عِبَادِي مُؤْمِنٌ بي وكَافِرٌ، فأمَّا مَنْ قالَ: مُطِرْنَا بفَضْلِ اللَّهِ ورَحْمَتِهِ، فَذلكَ مُؤْمِنٌ بي كَافِرٌ بالكَوْكَبِ، وأَمَّا مَن قالَ: مُطِرْنَا بنَوْءِ كَذَا وكَذَا، فَذلكَ كَافِرٌ بي ومُؤْمِنٌ بالكَوْكَبِ»(أخرجه البخاري ١٠٣٨، ومسلم ٧١)؛ لما نسب نزول المطر إلى غير الله -عَزَّ وَجَلَّ-.

 

فكم نسمع ذلك -يا عباد الله- من كثيرٍ من الناس، وإذا رُجِعوا قال: قصدي كذا ومرادي كذا، والعبرة بالمقاصد، والعبرة أيضًا بالمنافذ والألفاظ.

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ)[الشورى:28]؛ هو الولي الذي أولانا هذه النعمة، وهو الحميد الذي يجب أن يُحمَد عليها، فتُنسَب له لا تُنسَب إلى  غيره.

 

نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم وما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه كان غفَّارًا.

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله، الحمد لله الذي أعاد مواسم الخيرات على عباده تترى، فلا ينقضي موسمٌ إلا ويعقبه آخر مرةً بعد أخرى، وأشهد أن لا إله إلا الله شهادةً نرجو بها الفلاح والنجاة في هذه الدنيا وفي تلكم الدار الأخرى، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، عبده المصطفى ونبيُّه المجتبى صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أولي الفضل والمكانة والنُّهى.

 

أما بعد: عباد الله: إن من المفاهيم الخطأ في نزول المطر الاعتبار بكثرته، حتى إنك تسمع من الناس عن كثرة المطر هل بلغ الكفّ أو الرسغ؟ هل توسَّد أو الساعد أو المرفق؟ وما إلى ذلك، وهذا ليس بصحيح؛ فإن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "ليس السَّنة ألا تمطروا ولكن السَّنة أن تمطروا، ثم تمطروا ولا تُنبِت الأرض شيئًا"(أخرجه مسلم ٢٩٠٤).

 

فالعبرة -يا عباد الله- بالبركة التي يجعلها الله في هذا الغيث، فربما جاءت السيول الجارحة فأفسدت وأضرت، ولم تنفع عباد الله، وربما جاء الناس رشٌّ يسير حتى غدت الأرض فيها بأبهى حُلةٍ من الربيع والكلأ، فسلوا ربكم -جَلَّ وَعَلَا- البركة فيما يُنزِل، واحمدوه عليها فإنه المنعِم بها أولًا وآخرًا.

 

 وإن من أحكام المطر -يا عباد الله- أنه إذا كثر وتكاثر، حتى بلَّل أقرب بيت إلى المسجد جاز لأهل المسجد أن يجمعوا بين الصلاتين تشوُّفًا من الشريعة لأداء العبادة جماعةً، ورفعًا للمشقة والكُلفة عنهم.

 

وإذا تهاطل المطر حتى صبَّت السماء الماء صبًّا جاز للمؤذِّن أن يقول: "الصلاة في رحالكم"؛ أي: الصلاة في بيوتكم، كما ثبت ذلك في الصحيح من حديث ابن عباس -رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُما-.

 

عباد الله: إن المطر الذي يُجمَع له هو المطر الهاطل الذي يبل الثياب لا مجرد الرش الذي يبل الشوارع والطرقات، فاتقوا الله -عَزَّ وَجَلَّ- وقوموا بحقِّه، وأدوا فرضه، ولا تتهاونوا في ذلك، ولا يكن في شأن الناس أن يتعاندوا مع إمام مسجدهم لماذا لم تجمع والناس قد جمعوا؟ وما إلى ذلك، فإنها أمورٌ مبناها على العلم والوحي لا على مجرد الرغبات والهوى.

 

وصلوا وسلموا...

 

المرفقات

المطر وأحكامه.doc

المطر وأحكامه.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات