في رحاب أعظم آية في القرآن الكريم

حسين بن عبدالعزيز آل الشيخ

2025-12-05 - 1447/06/14 2025-12-06 - 1447/06/15
عناصر الخطبة
1/آية الكرسي أعظم آية في كتاب الله تعالى 2/بعض فضائل قراءة آية الكرسي 3/وجوب تعظيم الله تعالى وتقديره حق قدره 4/الوصية بالمحافظة على الأوراد الصحيحة

اقتباس

حافِظوا على الأورادِ الواردةِ في القرآنِ والسُّنَّةِ؛ علِّمُوها أولادَكم وأهليكم، حافِظوا عليها ليلًا ونهارًا، وفي كل ما يَستجِدّ في حياتِكم من الأسباب التي تعلمونها في آناء الليل والنهار؛ ففيها الخيرُ العظيمُ والحصنُ المتينُ...

الخطبة الأولى:

 

الحمدُ للهِ الذي مَنِ الْتَجَأَ إليه حَفِظَه مِنْ كُلِّ أذيةٍ، ورفَع عنه كلَّ بليةٍ، وأشهدُ أَنْ لَا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لَا شريكَ لَهُ، وأشهدُ أنَّ نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه. اللهمَّ صلِّ وسلِّم عليه وعلى آله وأصحابه.

 

أما بعدُ، فيا أيها المسلمون: اتقوا الله حقَّ التقوى، وأطيعوه في السراء والضراء؛ (وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)[الْحُجُرَاتِ: 10].

 

معاشرَ المسلمينَ: أعظمُ آيةٍ في كتابِ اللهِ -كما صَحَّ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: آيةُ الكرسي؛ (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ)[الْبَقَرَةِ: 255].

 

مَنْ قرأها أُجِيرَ من الشرور، وحُرِسَ من أذيةِ الشياطينِ؛ ففي صحيح البخاري الإخبارُ من النبي -صلى الله عليه وسلم- أَنَّ مَنْ قَرَأَهَا إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ لَمْ يَزَلْ عَلَيْهِ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ، وَلَا يَقْرَبُهُ شَيْطَانٌ حَتَّى يُصْبِحَ.

 

ومن فضائلِ قراءتِها ما ورَد في الحديثِ: "مَنْ قَرَأَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ آيَةَ الْكُرْسِيِّ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ إِلَّا أَنْ يَمُوتَ"(رواه ابن حبان في صحيحه، وحسَّنَه جمعٌ من المتقدمين ومن المتأخِّرين من المحدثين؛ لتعدُّد طُرُقِه واختلافِ مَخارجِها).

 

آية الكرسيّ فيها براهينُ التوحيد على أكملِ الوجوهِ وأتمِّها، وقد اشتملَتْ على معانٍ تدُلُّ على كمال الله -جل وعلا- وجلاله وجَماله؛ يقول -سبحانه-: (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ)؛ إخبارٌ عنه -عزَّ شأنُه- بأنَّه الإله الحق الذي يَتَعَيَّن أن تكون جميعُ أنواعِ العبادةِ والطاعةِ والتألُّهِ له -سبحانه- وحدَه؛ وأنَّ كلَّ ما سواه أبطلُ الباطلِ، وأظلمُ الظُّلْمِ.

 

ثم وَصَف اللهُ نفسَه بقوله: (الْحَيُّ الْقَيُّومُ)؛ فهو -سبحانه- الحيُّ الحياةَ الكاملةَ الباقيةَ الأبديةَ الدائمةَ أزلًا وأبدًا؛ حياةً لم يَسبِقْها عدمٌ، ولا يَلحَقُها فناءٌ ولا زوالٌ؛ (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ)[الْفُرْقَانِ: 58].

 

وهو -سبحانه- ذو القيومية التامة؛ الغنيُّ عن خَلقِه، المقيمُ لجميعِ الموجوداتِ؛ وهو القائمُ عليها، المدبِّرُ لها؛ لا قيامَ لها بأيِّ حالٍ إلَّا به، -سبحانه- وبحمده.

 

ومن تمام حياته وكمال قيوميته: أنَّه الكامل في ذاته وصفاته وأفعاله، لا يلحقه نقصٌ بأيِّ وجهٍ من الوجوه، ولا يعتريه -تعالى- سِنَةٌ؛ أي نُعاسٌ، ولا يلحقه نومٌ، ولا سهوٌ، ولا غفلةٌ -جلَّ شأنُه-.

 

إخوةَ الإسلامِ: وهذه الآية فيها الإخبار الصادق بأن جميع ما في السماوات والأرض له -سبحانه وتعالى- خَلْقًا وَمُلْكًا وَتَدْبِيرًا؛ الجميعُ تحتَ قهرِه وسلطانِه وجبروتِه وقدرتِه ومشيئتِه؛ (لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ)[الْبَقَرَةِ: 255].

 

ومن عظمته وجلال كبريائِه: أنَّه لا يتجاسَرُ أحدٌ على أن يشفعَ عندَه إلا بإذنه، ولِمَنِ ارتضاهُ -سبحانه- ممَّنْ هو مِنْ أهلِ التوحيدِ والإيمانِ؛ (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ)[الْبَقَرَةِ: 255].

 

ونبيُّنا -صلى الله عليه وسلم- وهو أفضلُ الخلقِ في شفاعتِه لأهلِ الموقفِ يومَ القيامةِ؛ حينما يَعْتَذِر جميعُ الأنبياءِ عن ذلك، وكلٌّ منهم يقول: "نفسي نفسي"؛ فيأتي الناسُ إلى نبيِّنا محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- فيقول: "أَنَا لَهَا". فيسجدُ تحتَ العرشِ تعظيمًا للهِ -جلَّ وعَلَا-، ويفتح اللهُ عليه من المحامد والدعوات حتى يُقالَ له: "ارْفَعْ رَأْسَكَ، وَسَلْ تُعْطَهْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ"(مُتفَق عليه).

 

إخوة الإسلام: وقوله -سبحانه-: (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ)[الْبَقَرَةِ: 255]؛ إخبارٌ مِنَ اللَّهِ -جَلَّ وَعَلَا- عن علمِه -سبحانه- العلمَ الكاملَ بما كان، وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف سيكون؛ علمٍ مُحيطٍ بالأشياء كلها قبلَ الوجود وبعدَ الوجود وبعدَ العدم؛ العلمُ بما يَظهَر وما هو باطنٌ؛ العلمُ بالماضي وبالحاضر وبالمستقبل؛ عِلْمٌ بالكلياتِ وبكلِّ التفاصيلِ والجزئياتِ؛ (وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا)[طه: 98].

 

وأما الخَلْقُ فليس لهم من العلم إلا ما علَّمَهم به -جل وعلا- كما ورد في هذه الآية: (وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ)؛ فلا معرفةَ لهم ولا علمَ لهم في الأمور الشرعيَّة والكونية التي تقع في هذه الحياة إلا ما أَطْلَعَهُم -جَلَّ وَعَلَا- عليها وَعَلَّمَهُم إيَّاها؛ (سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا)[الْبَقَرَةِ: 32]، (قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ)[النَّمْلِ: 65].

 

وهكذا لا عِلْمَ لنا بشيءٍ من أسمائِه وصفاتِه وأفعالِه إلا ما علَّمَنا بها في القرآن والسُّنَّة، وما فهمه سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين -رضوان الله عليهم-.

 

عبادَ اللهِ: ومِنْ كمالِ عظمةِ اللهِ -جلَّ وعلا- وسعةِ سُلطانِه: إخبارُه -جل وعلا- بقوله: (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ)، قال ابن كثير: "والكرسيُّ الصحيحُ أنَّه غيرُ العرشِ، والعرشُ أعظمُ منه وأكبرُ كما دلت عليه الآثار والأخبار". ومن سعة عظمته أن هذا الكُرسي يسعُ السماواتِ والأرضَ وما فيهما وما بينَهما من الأملاك والمخلوقات والعوالِم؛ كما رُوِيَ عن ابن مسعود وابن عباسٍ -رضي الله عنهم-.

 

عبادَ اللهِ: إنَّ اللهَ -سبحانه- ذو القوة المتين، لا يُعجِزُه شيءٌ، وكلُّ شيءٍ تحتَ تدبيرِه وتصريفِه؛ قال -سبحانه-: (وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا)؛ أي لا يُثقِلُه ولا يشُقُّ عليه حفظُ السماوات والأرض، وحفظُ ما فيهما وما بينَهما؛ بل ذلك عليه يسيرٌ وسهلٌ. والأشياءُ كلُّها حقيرةٌ بينَ يديه، متواضعةٌ ذليلةٌ صغيرةٌ لقُدرَتِه؛ العبادُ والمخلوقاتُ مُحتاجةٌ فقيرةٌ في وجودها ودوامها إليه -سبحانه-؛ (إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا)[فَاطِرٍ: 41]، (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ)[الرَّعْدِ: 11].

 

وفي ختام هذه الآية يصفُ اللهُ -جل وعلا- نفسَه بالكمال الأقصى فيقول: (وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ)؛ العليُّ بذاته على جميع المخلوقات، (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى)[طه: 5]؛ العليُّ بعظمته وعظمة صفاته وجمالها وجلالها؛ وهو الكبير المتعال.

 

العليُّ الذي قهَر جميعَ المخلوقات، ودانَتْ له الموجوداتُ، وخضعَتْ له الصعابُ، وذلَّتْ له الرقابُ؛ (وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ)[سَبَأٍ: 23]، (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ)[الْأَنْعَامِ: 18]؛ العظيمُ في ذاتِه -جلَّ وعلا- وفي صفاتِه وسُلطانِه؛ الجامع لجميع صفات العظمة والكبرياء. كما في الحديث القدسي: "الْعِزُّ إِزَارِي، وَالْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي؛ فَمَنْ يُنَازِعُنِي فِيهِمَا عَذَّبْتُهُ"(أخرجه مسلم).

 

فيا عبادَ اللهِ: عَظِّمُوا اللهَ حقَّ تعظيمِه، واقدُرُوه حقَّ قدرِه، وعظِّمُوا شرعَه، والتزِموا بأوامره وأوامر رسوله -صلى الله عليه وسلم- تُفلِحوا وتَسعَدُوا وتَفُوزُوا؛ (فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[الْمَائِدَةِ: 100].

 

اللهمَّ علِّمْنا ما ينفعنا، وزدنَا هدًى وتوفيقًا وعلمًا، اللهمَّ اغفِرْ لنا وكفِّر عَنَّا سيئاتِنا يا ذا الجلال والإكرام.

 

 

الخطبة الثانية:

 

أحمد ربي وأشكره، وأشهدُ أَنْ لَا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لَا شريكَ لَهُ، وأشهد أنَّ نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك عليه وعلى آله وأصحابه.

 

أما بعدُ، فيا أيها المسلمون: حافِظوا على الأورادِ الواردةِ في القرآنِ والسُّنَّةِ؛ علِّمُوها أولادَكم وأهليكم، حافِظوا عليها ليلًا ونهارًا، وفي كل ما يَستجِدّ في حياتِكم من الأسباب التي تعلمونها في آناء الليل والنهار؛ ففيها الخيرُ العظيمُ والحصنُ المتينُ.

 

ثم إنَّ اللهَ -جل وعلا- أمرَنا بأمرٍ عظيم؛ ألَا وهو الصلاةُ والسلامُ على النبي الكريم، اللهمَّ صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ على عبدِكَ ورسولِكَ نبيِّنا محمدٍ، وارضَ اللهمَّ عن الصحابةِ أجمعينَ، وعن الآلِ ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ.

 

اللهمَّ إنَّا نسألكَ أن تحفظَنا من بين أيدينا ومن خلفنا، وعن أيماننا وعن شمائلنا، ومن تحتنا، ونعوذ بعظمتك أن نُغتال من تحتنا يا أرحمَ الراحمينَ.

 

اللهمَّ احفظ المسلمين في كل مكان، اللهمَّ وحِّدْ صفَّهم واجمَعْ كلمتَهم، اللهمَّ أَطفِئِ الفتنَ عنهم يا ذا الجلال والإكرام، اللهمَّ أغن فقيرهم، اللهمَّ أمِّن خائفهم، اللهم ارحم موتاهم، اللهمَّ اغفر لنا وللمسلمين أجمعينَ.

 

اللهمَّ وفِّقْ خادمَ الحرمينِ الشريفينِ ووليَّ عهدِه لما تحبُّه وترضاه؛ اللهمَّ احفظهما بحفظك، اللهمَّ وفِّقْ جميعَ ولاةِ أمورِ المسلمينَ لِمَا فيه الْهُدَى يا ذا الجلالِ والإكرامِ.

 

اللهمَّ أغثنا، اللهمَّ يا غنيُّ يا حميدُ، اللهمَّ اسقنا، اللهمَّ ارحم فقرَنا، اللهمَّ ارحَمْ ضَعْفَنا، اللهمَّ وحَقِّقْ حاجاتِنا يا أرحمَ الراحمينَ، اللهمَّ إنَّ خلقَكَ بحاجةٍ إلى الغيث؛ اللهمَّ أغثهم في كل مكان، يا ذا الجلال والإكرام.

 

اللهمَّ إنَّا نسألكَ فضلَكَ وكرمَكَ وجودَكَ يا كريمُ يا أرحم الراحمين. اللهمَّ استجِبْ دعاءنا، وحقِّق رجاءنا.

 

سبحانك اللهمَّ وبحمدك، لا إلهَ إلا أنتَ، نستغفرُكَ ونتوبُ إليكَ.

 

المرفقات

في رحاب أعظم آية في القرآن الكريم.doc

في رحاب أعظم آية في القرآن الكريم.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات