نعمة نزول المطر 28-6-1447

عبدالرحمن سليمان المصري
1447/06/28 - 2025/12/19 09:52AM

نعمة نزول المطر

الخطبة الأولى

الحمد لله الذي جعل الحمد مفتاحا لذكره ، وسببا للمزيد من فضله ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليما كثيرا ، أما بعد:  أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى فهي وصية الله للأولين والآخرين قال تعالى ﴿ ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله ﴾

عباد الله: أمرنا الله سبحانه بالتفكر والتدبر ، في عظيم خلقه وحكيم تدبيره ، والمؤمن حين يتأمل ويتدبر في آيات الله ومخلوقاته ، يرى عظمة الله جل وعلا ، وبديع صنعه واتقانه .

ومن مخلوقاته الماء ، خلقه الله بلا لون ، وأوجده بلا طعم ، وأنزله بلا رائحة ، وهو أصل الحياة وأساسها، وضرورة من ضروراتها ، قال تعالى: ﴿ وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون ﴾ الأنبياء:30 ، فإذا انقطع عن الناس ، نزل الضرر بالخلق جميعهم .

ومن النعم التي أنعم الله بها علينا في هذه الأيام ؛ نعمة المطر، فإنزاله من أعظم نعم الله على عباده ، امتن به سبحانه عليهم ، وأشاد به في كتابه؛ وجعله آية من آياته ، قال تعالى: ﴿  ومن آياته يريكم البرق خوفا وطمعا وينزل من السماء ماء فيحي به الأرض بعد موتها إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ﴾ الروم: 24.

عباد الله: لقد كان الناس يتشوفون إلى نزول الأمطار ، فأنزله الله بمنه وكرمه، في وقت حاجتهم وفقرهم إليه، فكان سببا لفرحهم وسرورهم، قال تعالى:﴿ الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا فترى الودق يخرج من خلاله فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون * وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين ﴾الروم: 48-49 .

عباد الله : جعل الله المطر دليلا على ربوبيته ، وبرهانا على وحدانيته وألوهيته ، قال تعالى: ﴿ الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون ﴾البقرة:22 ، وجعله حجة وآية على إحياء الموتى ، وإثبات البعث والنشور ، قال تعالى: ﴿ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت إن الذي أحياها لمحيي الموتى إنه على كل شيء قدير ﴾فصلت:39 .

والمطر مظهر من مظاهر رحمة الله بعباده ، مع كثرة ذنوبهم وتقصيرهم ، وهذه النعمة ليس للإنسان يد في حصولها، بل هي محض تفضل من الرب الكريم ، ولو شاء الله لجعل الماء مالحا غير صالح للخلق ، قال تعالى: ﴿ أفرأيتم الماء الذي تشربون * أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون * لو نشاء جعلناه أجاجا فلولا تشكرون﴾ الواقعة: 68 – 70.

وليعلم المؤمن أن المطر بقدر الله تعالى ومشيئته وحكمته ، يرسله لمن يشاء ويمنعه عن من يشاء ، قال تعالى:﴿ ولقد صرفناه بينهم ليذكروا فأبى أكثر الناس إلا كفورا ﴾الفرقان:50 ، أي: أمطرنا هذه الأرض دون هذه، وسقنا السحاب يمر على الأرض، ويتعداها ويتجاوزها إلى الأرض الأخرى ، فيمطرها ويكفيها ويجعلها غدقا، والتي وراءها لم ينزل فيها قطرة من ماء ، قال تعالى: ﴿ وما ننزله إلا بقدر معلوم  ﴾الحجر:21.

قال بعض السلف: ما عام بأكثر مطرا من عام ولا أقل، ولكنه يمطر قوم ويحرم آخرون وربما كان في البحر. قال: وبلغنا أنه ينزل مع المطر من الملائكة ، أكثر من عدد ولد إبليس وولد آدم، يحصون كل قطرة حيث تقع وما تنبت ، فلا تسقط قطرة مطر إلا معها ملك حتى يضعها حيث أمر الله عز وجل.

عباد الله : والأمطار منها ما يكون رحمة للعباد ، ومنها ما يكون عذابا وعقابا لقوم آخرين ، ومنها ما يكون استدراجا وإمهالا للمقصرين والعاصين ؛ قال تعالى: ﴿ فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون ﴾الأنعام: 44.

بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.        

 

 

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ، وسلم تسليما كثيرا  ،       أما بعد :

عباد الله: إن الواجب على المؤمن أن يحمد الله عز وجل على إنعامه ، وكريم عطائه، ويدعوا ربه أن يجعل هذا المطر رحمة وبركة ، منبتا للكلأ، فقد يسلب الله بركته وآثاره ، قال صلى الله عليه وسلم :" ‌ليس ‌السنة –أي القحط- ‌بأن ‌لا ‌تمطروا، ولكن السنة أن تمطروا، ثم تمطروا، ولا تنبت الأرض شيئا " رواه أحمد بسند صحيح.

عباد الله : كان النبي صلى الله عليه وسلم :" إذا عصفت الريح، قال: «اللهم إني أسألك خيرها، وخير ما فيها، وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها، وشر ما فيها، وشر ما أرسلت به" رواه مسلم،

وكان عليه الصلاة والسلام:" إذا رأى الغيم تلون وجهه، وتغير، ودخل وخرج، وأقبل وأدبر، فإذا مطرت سري عنه، فسألته عائشة رضي الله عنها عن ذلك ، فقال: وما يدريني لعله كما قال قوم عاد: {‌فلما ‌رأوه ‌عارضا ‌مستقبل ‌أوديتهم، قالوا: هذا عارض ممطرنا، بل هو ما استعجلتم به، ريح فيها عذاب أليم} رواه أحمد بسند صحيح.

وكان صلى الله عليه وسلم : إذا رأى المطر، قال: " ‌اللهم ‌صيبا ‌نافعا " رواه أحمد بسند صحيح ، وكان يحسر عن ثوبه ليصيب المطر بدنه ، " لأنه ‌حديث ‌عهد ‌بربه تعالى" رواه مسلم.، وكان إذا خشي الضرر من المطر ، دعا "اللهم حوالينا ولا علينا، " رواه البخاري. وحث على الدعاء عند المطر ، فقال:" ثنتان ما تردان: ‌الدعاء عند ‌النداء ، ‌وتحت ‌المطر " رواه الحاكم وصححه الألباني .

عباد الله: إن من مظاهر كفران النعمة ؛ التشبه بأهل الجاهلية في نسبة نزول المطر إلى غير الله تعالى ، من الكواكب والأنواء وغيرها ، عن زيد بن خالد رضي الله عنه قال: " صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية ، في إثر السماء كانت من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس فقال: «هل تدرون ماذا قال ربكم؟» قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: " قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر ، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: ‌مطرنا ‌بنوء ‌كذا ‌وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب " رواه مسلم.

عباد الله: إن من يقول : مطرنا بالنوء الفلاني وأنه هو الذي أوجد المطر وأنزله ؛ فهذا شرك أكبر مخرج من الملة، وإن قال أن النجم هو سبب لنزول الغيث، فهذا شرك أصغر ، ومثله من يقول أن نزول المطر بسبب الانخفاض الجوي ونحوه .  

 

وأما التحليلات والتوقعات قبل نزول الأمطار فلا بأس بها ، فلا يعدو أن يكون تفسيرا لسنن الله في الكون، فيقول: إن الفرصة مهيئة لنزول الأمطار، من خلال رؤية السحب مقبلة عبر الأقمار الصناعية، أو من خلال معرفة اتجاه الرياح وسرعتها ونحو ذلك ، مما يعرفه أهل الاختصاص، وهي تطرد في كثير من الأحيان ، لكنها تفاجئ الناس في أحيان أخرى بعكس التوقعات .

وأما بعد نزول المطر فلا يجوز نسبة ذلك لغير الله تعالى ،  فلا أحد قادر على إنزال المطر وانتفاع الناس به إلا الله جل جلاله ، قال تعالى: ﴿ وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد ﴾ الشورى: 28.

اللهم اغث قلوبنا بالإيمان ، وبلادنا بالأمطار ، اللهم انبت لنا الزرع ، وأدر لنا الضرع ، وأنزل علينا من بركات السماء ، وأخرج لنا من بركات الأرض ، واجعلنا عند النعماء من الشاكرين ، وعند البلاء من الصابرين ، ولك في جميع أمورنا من الذاكرين .

هذا وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه ، فقال تعالى: ﴿ إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما﴾

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .  

المرفقات

1766127020_نعمة نزول المطر خطبة2.docx

1766127020_نعمة نزول المطر خطبة2.pdf

المشاهدات 220 | التعليقات 0